شيماء بطلة الثورة
كانت شيماء فتاة ذكية ذات موهبة فذة في المسرح ،لا يكاد يوجد لها نظير ، فقسمات وجهها وكأنها خلقت للمسرح ، تراها ترسل في اللحظة الواحدة أكثر من رسالة ، كانت غالباً ما تقف أمام المرآة تحاول أن تستجدي هذه القسمات ، وتحاور نفسها في هدوء مسؤول ، ما عساني أن أفعل في موهبتي ؟ فكانت كل وقفة أمام المرآة تتراءى لها شخصيتها المسرحية ، رشيقة في مشيتها، رقيقة في مشاعرها ، دقيقة في حركاتها ، هكذا كانت تحكي عن نفسها ، وهي واعية بما تقول
الوعي لا يخامرها أدنى شك. كانت شيماء تسير في صمت نحو هدفها ، ترسم ملامح موهبتها في الآفاق ، تخطو خطوات عملاقة في حمل الرسالة ، رسالة الفن الهادف الذي يؤسس لثقافة البناء والعطاء لهذه الأمة ، هكذا كانت شيماء تعتقد في قرارة نفسها ، كانت تقول إني أحمل بين جوانحي بديلاً حضارياً أقدمه لهذه الأمة ، لكن ما حقيقة تلك الموهبة التي تسكن في وجدان شيماء ؟ وما المسافة التي تفصل بين الحقيقة والحماقة ؟ وإلى أي حد يمكن أن نعتبر أن شيماء تملك مقومات الوقوف على خشبة المسرح ؟ وهل شيماء نفسها حقيقة أم وهم ؟ أسئلة بصراحة تخلط الأوراق وتعيد المسيرة إلى نقطة الصفر؟ هكذا ضاعت شيماء في دروب متفرقة ، فلا هي أدركت كيانها ، ولا كيانها أدرك واقعه المغبون ، فالظلم له تجليات حتى على موهبة شيماء ، لكن كانت لشيماء وقفة تاريخية سطرت فيها ملحمة النضال بالكلمة المجلجلة الله أكبر من الطاغية ، من أعوانه ومن الزبانية ، هكذا رددت شيماء شعارها الذي هز أركان نظام الطاغية ، فكان لها حضور فعال على خشبة الثورة ، حركت همم الرجال ، وأيقظت أرواح تآلفت فتآخت فتصافت فتعافت .
بسبب كلمات شيماء قامت الثورة في نفوس الشباب فحملوا لواء النصر، وأقسموا أن يخلعوه عن عرشه وإن كلفهم ذلك حياتهم ، هكذا كانت الشرارة في الشرق أما في الغرب فكان السكون يخيم على المكان، وهدوء رهيب،وصمت مطبق تقرأ لغته الصاخبة في عيون المارة ، ترى الناس يمشون في الشوارع وكأنهم واقفون ، وكأنما على رؤوسهم الطير، إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، فرياحها أطاحت بالجار الغربي ، وتكاد تطيح بالجار الشرقي ، وصاحبنا قد أحس بدنو أجله ، فنادى على زبانيته أن استعدوا لإبادة الشعب عن بكرة أبيك ، ولن أسامح من خرج عن طوعي ورأى غير الذي أرى ، ولا يعلم أن الشعب قد وهب حياته مقابل حريته وانعتاقه ، تكاد تميز من الغيظ قلوب تتفطر حزناً على أربعين عاماً من الظلم ، والظلم قد سبب ظلمات بعضها فوق بعض ، فتاه الشعب في غياهب الجهل والتخلف والنسيان ، هكذا حدثني أشرف بنظراته لا بلسانه ، لأن اللسان مآله القطع إن هو تحدث عن ظلم الطاغية ونواياه في إبادة الشعب ، مسكين أشرف كان ينظر إلي وقلبه يعتصره الألم على مصير أطفال ستسحقهم آلة الحرب المدمرة ، ولم يكن يخطر بباله أن مصيره هو شخصياً ، سيدفن في مقبرة جماعية بضواحي تلك المدينة الصامدة التي سجلت بطولات خالدة سيذكرها التاريخ ، أخذ بيدي وأبعدني عن الشباب وقال لي كيف تقرأ الواقع السياسي للبلاد ؟ قلت له يا أخي لا تحمل همّ هذه البلاد فالله سبحانه وتعالى يتكفل بالمستقبل ، وما كان جوابي إلا هروباً من نقاش لا تحمد عقباه ، وتفحصني أشرف من أعلى رأسي إلى أخمص قدماي وعيناه تتحدثان إلى عيناي قائلتان : إني أرى الدماء و الأشلاء في كل مكان ، وإني أرى الرؤوس تتطاير في كل اتجاه .
نعم وكان لأشرف ما رأى رحمه الله رحمة واسعة ، فالشعب نال حريته لكن الضريبة كانت غالية ، وشيماء أصبحت رواية تتناقلها أقلام الكتاب وشفاه العوام ....وإلى قصة أخرى إن شاء الله
بقلم رشيد عانين