تنشغل «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) بـ'إلزام' الفصائل الفلسطينية الاخرى في قطاع غزة بالتهدئة مع اسرائيل، انطلاقاً من «تقدير المصلحة العامة وحماية الشعب الفلسطيني ومقدراته»، بحسب الناطق باسم الحركة. وذلك رداً على اطلاق قذائف على اسرائيل واشتباكات مع جيشها، وبعدما هددت الدولة العبرية بعملية واسعة في القطاع في حال استمرار هذا الوضع.
اي ان 'حماس' وصلت الى النتيجة نفسها التي كانت وصلت اليها السلطة الفلسطينية منذ سنوات، والتي كانت طردتها من القطاع بقوة السلاح، في حزيران (يونيو) 2007، بذريعة انها تهادن اسرائيل وتمنع المقاومين من مهاجمتها.
وقد يكون هذا الموقف الجديد عنصراً مفيداً في الحوار الفلسطيني ومساعي المصالحة، ما دام هناك توافق بين 'حماس' والسلطة في شأن العمليات ضد اسرائيل. الا ان سلوك الحركة يظهر العكس
اً.
اذ ان هذا الموقف الجديد للحركة من العمليات ضد اسرائيل، والاكثر صراحة منذ ان فرضت حكمها على القطاع، لا يعكس رغبة في عدم التصعيد من القطاع فحسب، وانما ايضاً الرغبة في الابقاء على هذا الحكم. وهذا ما يفسر مطالبة الحركة بالمقاومة والتصدي بكل الوسائل للاحتلال في الضفة الغربية، ومنعه و»إلزام» بقية الفصائل بهذا المنع في القطاع.
ففي الضفة، تعتبر 'حماس' ان أي عملية ضد قوات الاحتلال، بغض النظر عن اهميتها واهدافها، ستؤدي الى احراج السلطة، سواء لجهة عدم تمكنها من ضبط الامن (وهذا ما تأخذه اسرائيل عليها ايضا) او لجهة دفعها للقيام بمطاردات لمنفذي هذه العمليات فتصبح متواطئة مع الاحتلال. وقد نجح هذا التكتيك «الحماسي»، خلال الانتفاضة الثانية، ومنع أي توافقات كانت ممكنة بين اسرائيل والرئيس الراحل ياسر عرفات، عبر العمليات الانتحارية المدوية. ونجحت «حماس» في دفع اسرائيل الى محاصرة عرفات سياسياً وميدانياً، الى حين وفاته على نحو مشبوه.
والدليل على الرغبة في تكرار هذا السيناريو هو الاستغلال السياسي وحملة الاتهامات التي كيلت للسلطة، قبل ايام، عندما قامت اسرائيل بالقبض على اعضاء في «حماس» كانت السلطة احتجزتهم بعد استهداف مستوطنين.
اما في القطاع، فإن أي استهداف لاسرائيل يصبح تهديداً «للمصلحة العامة ومقدرات الشعب»، وهذا ما يتلخص بالتأكيد في استمرار الحركة بالامساك بحكم القطاع. اذ ان أي تصعيد واسع في القطاع مع اسرائيل، سيزيد معاناة الفلسطينيين المحاصرين فيه وسيزيد من النقمة المتصاعدة على طريقة حكم «حماس» بالقوة، ومن دون أي اعتبار للتعدد والتنوع السياسي والاجتماعي.
ففي الضفة تشن «حماس» حملة تعبئة واسعة من اجل خيار المقاومة، وتدعو الى اللجوء الى كل الوسائل في مواجهة الاحتلال. وتردف هذه الحملة باتهامات للسلطة بـ «التواطؤ مع العدو» لأنها تعتبر ان حل القضية الفلسطينية ينبغي ان يكون سياسياً، وان التصعيد الميداني تستفيد منه اسرائيل سواء عبر اجراءات على الارض او عبر تشديد للشروط الامنية في الحل.
أما في القطاع، فتدعو «حماس» الفصائل لضبط الوضع الميداني «لتفويت الفرصة على العدو وتغليب المصلحة العليا».
هكذا تحلل «حماس» المقاومة ضد اسرائيل في الضفة الغربية، اذ تعتبر ان حصيلتها ستكون على حساب السلطة، وتمنعها في القطاع لأن حصيلتها ستكون على حسابها.