المراهقة، الأزمة، الشخصية:تكاد تشكل مرحلتا الطفولة والمراهقة مرحلة واحدة، لولا وجود فواصل الزمن
التي امتدت من سن السادسة حتى سن الثانية عشرة، حيث فصلت هذه الفترة
العمرية زمن المرحلتين، رغم أن كليهما له تميز بإرهاصات مختلفة ومتطلبات
متعددة فرضت على الكائن، سواء نعم برعاية القائمين عليه بالتربية والاحتضان
بمراحله الأولى، أو نما كما تنمو الكائنات الحية دون تدخل الآخرين في مسار
نموه. وكما هو معروف عند الباحثين فإن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد، من
بين كل تلك الكائنات، يحتاج إلى رعاية مركزة منذ ولادته حتى بلوغه واجتيازه
مرحلة المراهقة ووصوله إلى النضج بأقل ما يمكن من عقد وأزمات، ولقد قال
الله سبحانه وتعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم
جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير..) (الروم: 54) وعلى العكس اً الكائنات الحية الأخرى التي تولد وتحمل مع ولادتها مقومات وجودها وبقائها، وقدرتها على الاعتماد على نفسها، لذا فإن الإنسان
ككائن حي، اختص بمزايا دون الكائنات الحية الأخرى من خلق الله، حيث قال
تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (التين:4).
أما عوارض الزمن والنكبات وصعوبات التوافق والنمو فهي تنتج بفعل مشكلات
يتعرض لها هذا الكائن البشري خلال مراحل النمو وبضمنها أزمة المراهقة،
وربما تمر هذه المرحلة ولا تترك آثاراً مؤلمة. ويرى أحمد عزت راجح أن
المراهق: (لا تظهر لديه مشكلات عديدة ما دام نموه يسير في اتجاهه
الطبيعي، وهي مرحلة تحقيق الذات ومرحلة المرح ونمو الشخصية وصقلها،
لذا عرفت المراهقة بأنها المرحلة التي تبدأ من البلوغ، وهي سن القدرة على
التناسل وتنتهي في مجتمعنا عند حوالي سن الـ(22) سنة من العمر) وتحدد
الثقافات والمجتمعات طول فترة هذه المرحلة وبداياتها لدى كلا الجنسين، وتتميز
هذه المرحلة بالنضج الجنسي لدى الشباب واشتداد الرغبة الجنسية، ويميل
الشباب المراهق إلى التحرر من قيود الأسرة ومحاولة تحقيق الاستقلال عنها
والشعور بالذات، والاعتداد بالنفس، ورؤية الأشياء بمنظار آخر يحدده هو دون
تدخل الأب أو الأم، واختيار الأصدقاء ومحاولة البحث عن انتماء إلى نادٍ
رياضي أو جماعة اجتماعية تشعره بالرضى عن انتمائه لها، وتعطيه ما
يحتاجه من الحاجات النفسية التي تعجز الأسرة أو المدرسة عن تحقيقها له،
فيحول ولاءه لتلك الجماعة أو النادي أو التجمعات المنتشرة في المدن الكبيرة
، وتستهويه خلال مرحلة من المراحل العمرية، وربما ينشأ على تعاليمها ويلتزم
بها أو يتركها وينفصل عنها حال تقدمه في العمر، ويعود ذلك إلى مستوى
النضج الذي يحققه. وبعض آخر من الناس تشتد عوامل التأثير على حياته ويمر
بأزمات ومشاكل تترك بصماتها على مسار حياته، وتظهر هذه التأثيرات بشكل
واضح في المجتمعات المتحضرة أو ذات الثقافات المنفتحة كثيراً، أو التي
حققت لشعوبها تحولات اقتصادية واجتماعية متباينة مادياً بشكل ترف ورفاهية
أعلى، فاشتدت بها أمراض الحضارة ومتطلبات النمو السريع غير المتزامن مع
مستوى الطموح، حتى كادت الأزمات في مرحلة المراهقة تضعها على مفترق طرق، لشدة عصفها وتأثيرها في البنى التي يقوم عليها المجتمع، فظهور
المشكلات السلوكية الواضحة لدى أجيال في سن المراهقة، وتركها آثاراً
واضحة لدى جيل بعينه، وقبوله بصرعات الموضة التي تجتاح المجتمعات أو
التقليعات المختلفة في السلوك.. وكل هذا يظهر النتائج بعد ذلك واضحة من
خلال قياس آثار الأزمة وما خلفته بعد أن تكون حدة الأزمة قد خفت تدريجياً
حتى يصل المراهق في نهايتها إلى حالة الاتزان الانفعالي من خلال النضج في
المرحلة اللاحقة.
والأزمة هي حالة انفعالية مؤلمة تنشأ من الإحباط الناتج عن دافعٍ أو أكثر من
الدوافع القوية، ونستطيع أن نجمل بعض عوامل نشوء الأزمة وأسبابها في
حالات اجتماعية ونفسية وجسمية وتتحدد فيما يلي:
1-التغيرات الجسمية والفسيولوجية السريعة والمفاجئة في شكل المراهق
وحجمه ومظهره وازدياد رغبته في الأكل
،2-روز الدوافع المختلفة التي تثير لديه الارتباك والحيرة مع اشتداد الدافع الجنسي والرغبة العالية في توكيد الذات.
3-الاستقلال في الرأي والتفكير والسلوك عن الأب أو الأهل بشكل عام
ومحاولة بناء هوية جديدة مختلفة اً عن هوية الخنوع أو الخضوع لسلطان الأهل.
4-ظرة الآخرين إليه ومعاملتهم له، وموقف الذين يحيطون به وما يفرضون
عليه من قيود يشعر أنها تشكل ضغطاً كبيراً لا معنى له، فتصرفهم معه يشعره
بأنه طفل، وعند تصرفه كالكبار يضحكون عليه، فإذا ما اقترب من الكبار
أعرضوا عنه، وإن ارتد نحو الأطفال لم يرحبوا به. كل تلك التصرفات تجعله
يشعر بالغربة في عالمه الاجتماعي الصغير.
هذه العوامل تؤدي بالمراهق إلى أن يدخل في دائرة الصراع الذي يزيد من
توتره، ومن أهم هذه الصراعات:
أولاً: صراع بين شعوره الشديد بذاته وشعوره الشديد بالجماعة.
ثانياً: صراع بين مغريات الطفولة ومخلفاتها وبين الرجولة ومتطلباتها
.
ثالثاً: صراع بين ميله الجديد إلى الاستقلال وبين الاعتماد على الآخرين.
رابعاً: صراع بين طموحه الزائد وبين قلة حيلته.
خامساً: صراع جنسي بين الدافع المتحفز لديه وبين تقاليد المجتمع أو بينه وبين
ضميره.
سادساً: صراع ديني بين ما تعلمه من شعائر وهو صغير، وبين ما يصوره له تفكيره.
ويمكننا أن نستعرض بعض أسباب عدم الطاعة (العصيان) لدى المراهق في هذه المرحلة كما يلي:
أ) عدم الجدية في المعاملة الصحيحة في هذه المرحلة بالذات، وانشغال الأب
بمشاكل الحياة وإهمال الضبط السلوكي الذي يجب إتباعه مع المراهق لكي لا يقع منه التمرّد المبكر الذي يؤدي إلى ضياعه.
ب) عدم معرفة الأهل فيما هو صحيح أو غير صحيح وخاصة إذا كان المراهق الولد البكر في الأسرة.
ج) التساهل الشديد وقبول الأب بتصرفات المراهق، باعتباره سلوكاً رجولياً.
د) رغبة المراهق بالاستقلال الذي لا يجد رد الفعل الحازم أو استجابات الحد
من فرض الشخصية بالقوة، مما يفاقم الحالة مع تضارب الأدوار الاجتماعية التي تؤدي إلى سوء التعامل مع المواقف الأخرى.
أما الشخصية فتعرف على أنها الأنماط المستمرة والمتسقة نسبياً مع الإدراك والتفكير والإحساس وأنماط السلوك التي تبدو لتعطي الناس ذاتيتهم المميزة،
وهي أيضاً.. التفاعل المتكامل للخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية
والاجتماعية التي تميز الشخص وتجعل منه نمطاً فريداً في سلوكه ومكوناته النفسية.