سأعترف بجريمتي فهل تسمعون ؟
سأقصُّ عليكم حكايتي مع ذلك الوغد الَََّذَي كان سبب ارتكابي الجريمة..
كانت حياتي هادئة مع زوجي, أحببته بكل نبضةِ قلبٍ حباً لاتستطيع الكلمات وصفه مهما علت قامة وتجمَّلت ألفاظا... الحبُّ في اعتقادي شعورٌ آدميٌّ بحتٌ, تعجز الحروفُ عن حملِ معانيه, وتفسير ماهيَّته مهما كان المتكلِّمُ بليغاً, فالكلمةُ باقية , صامدةٌ، أمَّا الإحساسُ, فهو مرهفٌ رقيق ٌ, شفَّافٌ, سهلُ الإختراق, وهو ينتهي بموت ِصاحبه, ويبقى (إن وُجِدَ من يذكره عن صاحبه) أشبهَ بالخيال(ذكرى), لذلك ترانا نتشبَّثُ بهِ, ليغذِّي فينا القدرة َعلى البقاءِ متعانقين حتَّى الموت.
عشت ُمعهَ أجملَ أيَّام ِعمري, رغم أنني لم أرزقْ منه بطفلٍ يُؤنِس وحد تي, عندما كان يتركني وحيدة ًفي البيت, ويذهبُ إلى عمله في المدينة كلَّ يوم, ويعود في السَّاعة الثَّانية من بعد الظُّهر.
سامي هو ابنُ خالِ أمي, يكبرني بعشرين عاماً. عاش في المهجر سنينَ طويلة, استطاع خلالها أن يجمع ثروة ضخمة, فقد عمل مقاولا في ترميم البيوت, والمحلات التجارية, ولمَّا جرى المال بين يديه, افتتح محطَّة بنزين خصوصية, فأغرقته وأسرتـَه الصَّغيرة بالمال الوفير, ولمَّا قرَّرَ العودة إلى وطنه الأم, رفضتْ زوجته الأمريكية المجيءَ معه, وطلبتْ منه الطَّلاق, بينما بقي ولداه رامز وحسام هناك مع زوجتيهما, اللتين تعودان بأصولهما إلى إحدى العائلات المغربية, وراحا يُشرفان على العمل في المحطَّة بعد سفر والدهما..
عاد سامي وحيدا من الغربة, يحمل ستين عاما, ورصيداً هائلاً من الدولارات, ليبدأ حياة جديدة في وطنه الأم..
خلال فترة وجيزة من الزَّمن, أنشأ سامي مكتبا كبيراً للبناء, استخدم فيه عدداً من خيرة المهندسين في البلد لم يبخلْ عليهم بالعطاء, وإغراقهم بالمكافآت, فعُرِفَ مكتبُه واشْتُهِرَ بسرعة مذهلة..
بعدخمسة أشهر من عودته, تمَّ زواجي منه بوساطة ِخالتي بهيجة التي كانت تحبُّني, وتودُّ أن تخرجَني من حظيرة العنوسةِ على حدِّ زعمها, فقد تجاوَزتُ الأربعينَ عاما بانتظار النَّصيب الذي تأخَّر مجيئُه لأمر أراده الله, و كنت قد أنهيت دراستي الجامعية, وعملت معلِّمة للـُّغة العربية في إحدى مدارس البنات الإعدادية وبعد الزَّواج تركت الوظيفة نزولاً عند رغبة سامي..
سَعِدْتُ مع هذا الرَّجل في رحلة الزَّواج سعادة سبَّبت لي الألم بعد رحيلها عنِّي, فقد أغدق سامي عليَّ عطفه وحنانه وماله بسخاء, فبادلته تلك المحبَّة بأشد منها حبا, ووفاء..
كانت حياتي معه أشبه بحلم جميل, ولكم تمنيت ألا أصحو منه أبدًا, لاأدري من أينَ أبدأ بالحديث عن تلك السَّعادة التي شملت أيَّامي من كلِّ الجهات المادية منها, والمعنوية, فقد بنى لي بيتا فخماً في الضَّاحية, كان بشهادة من رآه أشبهَ بقصرٍ من تلك القصور التي نشاهدها في الأفلام السينمائية, غيرأنَّ الحديقة التي كانت تحيط به راهن الكثيرون على أنها أجمل مافي البيت.. استطاع سامي بخبرته المعمارية الغنية أن يجعل من المنزل قصراً في بستان زيتون, يتوسَّطه مسبح ٌواسع, جعل تصميمَه على شكلِّ أوَّلِ حرفٍ من اسمي (س) وكان عندما يناديني بسناء كان صوته يرتجف من عظيمِ محبَّتِه لي..
ذات مرة دعاني لمرافقته إلى جانب المسبح من الجهة الغربية, ولم نكن في تلك الفترة من الزَّمنِ قد استقدمنا (عزَّام)وزوجته للسَّكن معنا في المنزل, والإشراف على شؤونه.
كان الجوُّ مشرقاً بثت فيه الشَّمسُ دفأها على كلِّ ما حولنا, وتخبأ برد شباط في ركن جانبي بعيدا عن حبنا, فغدونا كعاشقين صغيرين يعبثان بشيب الزَّمن, فيأتلق شبابا وغراما.. هنو بنت الفتح