أول متحف في قطاع غزة....غزة – ، "هيرالد تريبيون" – عندما افتتح جودت الخضري أول متحف للاثار في غزة هذا الشهر، صُنفت جهوده على انها عمل وطني فلسطيني يظهر كيف ان هذا القطاع الساحلي الغارق في الفقر والعزلة والخاضع لحكم حركة "حماس" كان ذات يوم معبرا منتعشا للثقافات المتعددة.
اقيم المعرض في قاعة مذهلة تكونت جزئيا من حجارة متبقية من منازل قديمة ووصلات خشبية مهملة لخط سكة حديد قديم ومصابيح من البرونز واعمدة رخامية اكتشفها صيادون وعمال بناء في غزة.
وتقول صحيفة "هيرالد تريبيون" في مقال عن متحف غزة ومؤسسه انه في الوقت الذي يبدو فيه ان المعرض لا يتميز عن غيره في أي مكان آخر، من حيث رؤوس السهام والمراسي الرومانية وقوارير العصر البرونزي والأعمدة البيزنطية، فان الحياة في غزة حاليا تبدو قاتمة، ما يجعل المتحف، في المقابل، بما يحمله من لمحات تاريخية ثرية، مثيرا للاه
.
وتنقل الصحيفة عن الخضري قوله: "الفكرة تدور حول اظهار عمق جذور الثقافات العديدة في غزة". ومضى يقول وهو يستريح في حديقة منزله القريب من المتحف "ان من المهم ان يدرك الشعب انه كانت لنا حضارة جيدة. واذا كان هناك حق مشروع ان يكون لاسرائيل تاريخ، فنحن لنا تاريخنا ايضا".
يعود اقدم المواقع في غزة الى منتصف الالفية الرابعة قبل الميلاد عندما اصبحت أهم طريق للقوافل يربط شبه الجزيرة العربية والقرن الافريقي عبر البحر الاحمر مع البحر الابيض المتوسط.
ولا يقتصر التاريخ على توفير الحقوق الشرعية، ولكنه اطار للتواصل مع الحاضر. فغزة تقع تحت حصار اسرائيلي ودولي يهدف الى تصفية قوة "حماس" التي ينظر اليها في الغرب على نطاق واسع على انها حركة ارهابية. الا ان هذه ليست المرة الاولى التي يواجه فيها الغزيون هذه الضغوط.
يقول الخضري "عانت غزة اكثر من المدن الاخرى، اذ كان هناك حصار الاسكندر الكبير والفرس والبريطانيين. ولكنه في نهاية المطاف سيظل خبرا ثانويا".
تضم مجموعة الخضري الالاف من المواد، بعضها يعتبر غير عادي
ا لكنه لن يعرض في الوقت الحاضر، ومنها تمثال نصفي لافروديت وصور لايقونات قديمة اخرى ومصابيح زيتية عليها شعار الشمعدان اليهودي.
يملك جودت الخضري شركة انشاءات وهو الان في الثامنة والاربعين من اعمره ومن المؤمنين بمبدأ التعايش والثقافة العالمية. وقد بدأ تكوين مجموعته منذ اثنين وعشرين عاما، اي منذ ان عثر على قطعة نقدية اسلامية، مما اشعل في قلبه عشق الزمن الماضي. ومنذئذ أمر جميع عمال البناء لديه ان يحافظوا على اي شيء يعثرون عليه اثناء عمليات الحفر ليضيفها الى مجموعته. ويدرك الصيادون ان اي شيء لماع تكشفه حركة البحر على الساحل سيؤدي الى مكافأة مجزية من الخضري.
وفي العام 2005 أقنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالسماح له باقامة متحف وطني للاثار بمعونة سويسرية. وتم اختيار الموقع واقيم معرض في متحف جنيف للفنون والتاريخ واجتذب اعدادا غفيرة من الناس.
وفي حزيران (يونيو) 2007، بعد بضعة أشهر من الفوز النيابي الكبير لـ "حماس" اشتبك انصار "فتح" مع أنصار "حماس" في الشوارع وانتهى القتال الى اخراج "فتح" من غزة.
وقرر الخضري نتيجة جمود المشروع واقفال حدود غزة ان يعمل من تلقاء ذاته. اقام مطعما ومقهى (ومساحة لفندق) فوق الارض ذاتها واضاف بناء المتحف. واقيم المجمع باكمله قرب مخيم الشاطئ شمال غزة وقال "الناس هنا لا يطرق سمعهم تعبير متحف. واريد ان تعيه ذاكرتهم".
وضمن هذا الاطار نشر المتحف الاسرائيلي في القدس مؤخرا دليلا عن المواد التي حصل علها فريق اسرائيلي في السبعينات والثمانينات نتيجة حفريات في غزة. وقام هذا الفريق باعماله تحت اشراف عالمة الاثار الاسرائيلية ترود دوثان، وجرت في دير البلح تحت حراسة الجيش واكتشف مجوهرات ذهبية، وقوارير والأهم من ذلك انهم اكتشفوا أكفانا نقلت كلها الى المتحف الاسرائيلي. وقد اقتنص بعضها وزير الدفاع في ذلك الوقت موشيه دايان، المولع بعمليات البحث عن الاثار، واحتفظ بها لنفسه. الا ان مجموعته الان محفوظة في المتحف الاسرائيلي أيضا.
في 2005 اقنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالسماح له بانشاء متحف وطني للآثار بمساعدة سويسرية. وتم اختيار موقع وجرى تطوير عرض في متحف جنيف للفنون والتاريخ اجتذب جماهير كبيرة.
وفي حزيران (يونيو) 2007، بعد مرور اشهر على فوز حركة "حماس" بالغالبية في الانتخابات البرلمانية نشب قتال في الشوارع بين "حماس" وحركة "فتح" التي يقودها الرئيس عباس وانتهى القتال بسيطرة "حماس" على قطاع غزة.
وعندما توقف المشروع واغلقت حدود قطاع غزة، قرر الخضري تنفيذ المشروع وحده. وقد بنى مطعماً ومقهى (مع مساحة لفندق) واضاف مبنى المتحف على قطعة الارض ذاتها. واطلق على المجمع القائم على الشاطيء قرب مخيم الشاطيء للاجئين اسم المتحف. وهو يقول: "الناس هنا لا يسمعون هذه الكلمة. اريدها ان تدخل (قاموس) المفردات".
ومع قلة وسائل الترفيه والتثقيف في غزة، - وكون المصانع مغلقة والاقتصاد معطل – فان من المرجح ان يجذب المتحف اعداداً غفيرة من الناس.
ويصدف ان متحف اسرائيل في القدس نشر اخيراً دليلاً عن حفريات في قطاع غزة قام بها فريق اسرائيلي في السبعينات والثمانينات. وجرت الحفريات التي اشرفت عليها كبيرة علماء الآثار في اسرائيل ترود دوثان في دير البلح تحت حراسة الجيش الاسرائيلي وادت الى استخراج حلي ذهبية واواني من الرخام ونعوشاً موجودة كلها حالياً في في متحف اسرائيل. وقد تعرض بعضها ببساطة للنهب على يد وزير الدفاع الاسرائيلي في ذلك الحين موشيه دايان الذي كان من هواة التنقيب عت الآثار ويطبق قانونه الخاص به. وتوجد مجموعته الآن في متحف اسرائيل ايضاً.
وعندما ابلغت دوثان بأمر متحف غزة قالت انها طالما تمنت ان يكون في غزة متحف ليضم ما عثرت عليه من آثار. وقال الخضري انه زار متحف اسرائيل وعبر عن امله بان يعاد جزء من مجموعة غزة الى غزة "بعد ان يكون لنا حكومة مؤهلة والقدرة على حماية تراث غزة". وعن دوثان قال: "لقد اسدت لنا معروفاً لأنها (الآثار) كانت ستضيع كلها اليوم او تدمر".
وقال جيمس سنايدر، مدير متحف اسرائيل، انه اذا ساد قطاع غزة حالة هدوء "فلست ارى سبباً يحول دون تمكننا من ترتيب اعرة طويلة الاجل".
ومثل هذا الكلام الدافىء نادر هذه الايام من بين الاسرائيليين والغزيين. وقال سنايدر انه في ظل الاغلاق الاسرائيلي الحالي لقطاع غزة، والذي يمنع انتقال جميع الاشخاص باستثناء الحالات الانسانية الطارئة، "لا يستطيع الغزيون اليوم رؤية تراثهم في متحفنا".
نقلا عن جريدة القدس بتصرف...
*************
اليكم بعض الصور عن المتحف من تصويري..
واجهة المتحف الخارجية:
القاعة المقابلة للمتحف :