ألم هو القلم

ألمٌ هو القلم
على نغمات معزوفة حزينة استيقظت من نومي والليل على مشارف الانتهاء ، وإذا بي نظرت إلى يميني فوجدته قد وضع كفه تحت خذه وعيناه جاحظتان تحدقان إلى جدار ليس به ما يشغل التفكير، ويدعو إلى التأمل، فعلمت أن صاحبنا القلم مهموم ، فاحتّار أمري بين أن أقتحم عليه خلوته وبين أن أدعه وشأنه ، فقررت أن أشاركه همومه وأحزانه .
فقلت له يا صديقي ماهو هذا الضيم الذي منعك من النوم ؟
فقال لي ها أنت قلتها إنه الضيم ، إنه الكبت ، إنه التحكم ، إنه الاستعباد ، إنه الاستلاب ، إنه الظلم . فقلت له مهلاً مهلاً ، عماذا تتحدث؟ وعن من تتحدث ؟
قال وهل يوجد في حياتي غيرك ؟
فقلت له عجباً لك كيف تقول هذا الكلام وأنت تعلم مكانتك في قلبي ، وأنت من أنت تسكن بين جوانحي وتعبر عن ذاتي وشخصيتي، وترسم أحلامي، وتضمد جراحاتي، و تحفظ ذكرياتي ، وتترجم أنّاتي وآهاتي، و تخط آمالي خطوطاً عريضة ، عجباً لك كيف تقول هذا وأنت تعلم أنك الناطق الرسمي لكياني ومشاعري وأحاسيسي ، أنت الذي ترسم زفراتي .
فصرخ في وجهي أنت كاذب ومنافق ، نعم كاذب ومنافق ، ما كنتُ يوماً حراً طليقاً بين أناملك ، ترجمان لكيانك ، أكتب أحاسيسك الصادقة ، دون تعديل أو شطب أو تغيير ، ما كتبت يوماً حروفاً صادقة ، بالحق ناطقة ، إلا وكنت لها مغيراً ، ولمعانيها مُحَوِراً ، فلماذا إذن كل هذه الأحاسيس الكاذبة ، والافتراءات الزائفة .
فقلت له أأفرغت شحنتك الزائدة ؟
فقال إني لا أريد أن يتلون مدادي بنفاقك وافترائك ، فإن كان أزرقاً صافياً لونه لون السماء والسمو الروحي ، فأريده أن يبقى كذلك ، أما أن يصير ما صار إليه كثير من مداد أقرانه ، فهذا ما لا أريده. فقلت له ما هي طلباتك يا حضرة القلم ؟
فقال لي أن تخلي بيني وبين مشاعرك، أخرجها للناس صافية نقية لا تشوبها شائبة ، أرسمها حدائق غنّاء يشدو الطير على أغصانها ألحاناً باكية ، أخطها جداول من دموع جارية ، يغتسل فيها السالكين إلى النقاء من أدران لوثة بالية ، وهكذا أكون صائغاً أميناً ، أقول الحق وإن كان مراً مذاقه ، وأواجه النقد وإن كان لاذعاً لسانه ، تلك هي همومي أبثها إلى رب كريم حليم مجيد، في أعقاب ليل لن ينتهي إلا بفجر تشرق فيه الشمس من جديد ، وتغادر فيه الطيور أوكارها بحثاً عن الطعام ، ذلك هو حزني أتقاسمه أنا و هذا الصمت الرهيب ، هذا المكان الذي سجل بداية الصحبة التي جمعتني بك ، وتساورني خلجات الافتراق ويحتار أمري فيك وأنت الصاحب الذي احتار فيه أمري ،
لكن يا حضرة القلم ما تقوله ضرب من المستحيل ، لأني أنا فرد أعيش داخل مجتمع ، وتربطني به علائق معقدة جداً ، ولا أستطيع أن أقول كل شيء .
إذن أنت تعترف أن هناك أشياء مسكوت عنها يا صديقي .
نعم هناك أشياء مسكوت عنها يا حضرة القلم ……………….