الغزو الثقافي وأثره على الأمة الإسلامية - دراسة مدخلية
تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء حول مفهوم الغزو الثقافي وخصائصه وأهدافه وآثاره على الأمة الإسلامية ، وكيفية مواجهته ، بالإضافة إلى المفاهيم المتصلة به عضويا كالعولمة والتغريب . كما تهدف الورقة أيضا إلى عرض نظرية صراع الحضارات ، وعملية حوار الحضارات ، بالإضافة إلى دواعي ومبررات ومرتكزات الحوار مع الغرب وحضارته . هذا بالإضافة إلى تناول كيفية مواجهة الغزو الثقافي ونظرية صدام الحضارات .
وبما أن الموضوع يبدو عليه الاتساع بحيث تصعب الإحاطة بكل جوانبه دفعة واحدة ، فإن هذه الورقة ستكتفي بإيراد الخطوط العريضة له من منظور وصفي أكثر منه تحليلي.
الغزو الثقافي :
مصطلح الغزو الثقافي أحد المصطلحات التي تتردد كثيرا في حياتنا الثقافية ، وبخاصة على امتداد العقود الماضية التي بدأت تشهد انحسار الغزو بمعناه التقليدي المباشر ، الذي عرف تاريخيا باسم الغزو العسكري أو الاحتلال العسكري المباشر ، الذي تعرضت له أكثر أرجاء العالم العربي (1) والعالم الإسلامي .
يتركب مصطلح الغزو الثقافي – كما هو واضح – من كلمتين هما : غزو ، وهي ( لغة) مصدر غزا ، وتعني : الدخول إلى مجال غريب أو مجال جديد ، وعادة ما ترتبط هذه الكلمة بمعنى القوة وإحداث التغيير ، سواء كان ذلك إلى الأفضل كقولنا : الوطن العربي يغزو الفضاء .. ، أو كان ذلك على الأسوأ كما نقول : أسراب الجراد تغزو الشمال الإفريقي ، وهذا المعنى التغييري الذي تحتويه كلمة غزو جعلها تكتسب مرونة تمكنها من أن تؤدي معاني كثيرة أيديولوجية أو علمية أو اقتصادية أو غيرها (2) . هذا ، وقد تعني كلمة غزو أيضا ، في اللغة العربية معنى القصد ، والطلب والسير إلى الأعداء في ديارهم وانتهابهم وقهرهم والتغلب عليهم (3) . ويلاحظ أن كلمة الغزو يشيع – الآن – استعمالها أكثر في المعنى الأخير.
أما ثقافي ، فمنسوبة إلى ثقافة ، والثقافة تتعدد تعريفاتها ، وتتنوع تفسيراتها ، وتتباين عناصرها ، إذ يعد هذا المصطلح جديدا في الفكر العربي والإسلامي ، وفي الوقت نفسه تنحو المدارس الفكرية المهتمة بمعاني الثقافة مناحــي عدة يصعب التطرق إليها بالتفصيل (4).
مهما يكن من أمر ، فإن الباحثين يجمعون على عدم إمكانية وضع تعريف جامع مانع للثقافة ومفهومها الشمولي، حتى أن الموسوعات الأجنبية والعربية الحديثة لم تتفق على تعريف واحد، ولم تجتمع علي مفهوم محدد ، فتعددت التعريفات لماهية الثقافة (5) ، تبعا لتعدد نظرة المختص في العلم المعين .
إجرائيا ، فإن مفهوم الثقافة الذي تتبناه هذه الورقة ، هو أنها أساليب الحياة الشائعة لدى جماعة أو مجتمع معين ، والتي تظهر في أقوال الناس وتصرفاتهم أو عاداتهم خلال حياتهم الجمعية(6).
أما الغزو الثقافي – اصطلاحا – فيعني العمل الهادف إلى اختراق ثقافة أمة ( من الأمم) وزعزتها لتذويب هويتها وطمسها وسلبها مكوناتها .. وبهذا المعنى فإن الغزو الثقافي عمل مقصود ومخطط له (7) ، فهو بذلك يرمي إلى غزو الإنسان في عقيدته ، وفي لغته ، وفي سلوكه وأخلاقياته ، وفي نمط معيشته ، من خلال إحلال نماذج معينة من التفكير والنظر إلى الحياة والسلوك ، محل النمط السائد النابع من روح الشعب المستهدف ، من قيمة وعاداته وأخلاقه (8).
ويتضح من هذا التعريف الاصطلاحي للغزو الثقافي: أن هذا الغزو يشمل جميع ما يرتبط بالإنسان ، فلا يدع له شيئا إلا أبدله بشيء آخر لم يألفه .
إن الغزو الثقافي بصورته التي ذكرناها ، لا يقتصر فقط على الأمة الإسلامية ، محور هذه الورقة ، وإن نالت وتنال منه أكبر نصيب ، فقد أحست بخطورته أمم أخرى ، إذ أورد عبدالقادر طاش ، حول هذا الأمر ، أنه قد ثار جدل صاخب في فرنسا حول الغزو الثقافي الأمريكي للمجتمع الفرنسي ، وقد قاد حملة مناهضة الغزو الأمريكي قادة فرنسا بمن فيهم رئيس الجمهورية ميتران ، الذي رفض قبل مدة دعوة إدارة " يوروديزني " – وهي مدينة الألعاب الأمريكية في باريس – لزيارة المدينة ، وتناول الشاي مع ميكي ماوس – أحد أبرز الرموز الأمريكية في مدينة الألعاب – بمناسبة افتتاح المدينة . وأعلن ميتران في جامعة "غدانسك" في بولندا قائلا " إنها هوية أممنا ، وهو حق كل شعب في ثقافته وفي حرية الإبتكار واختيار الصور " . وأضاف :" إن أمة تتخلى عن وسائل التعبير عـن نفسها تصبح أمة مستعبَدة " (9).
وحتى ندرك أهمية المقاومة الفرنسية والأروبية بعامة للغزو ( الثقافي ) الأمريكي ، نذكر أن الأفلام الأمريكية السينمائية – مثلا – تسيطر على 90% من أذواق المتفرجين في ألمانيا ، وعلى 87% في بلجيكا ، وعلى 82% في إيطاليا ، كما أن ثلثي البرامج في التلفزيونات الأوربية هي برامج أمريكية.فإذا كانت فرنسا بسطوتها الفكرية ونفوذها السياسي والاقتصادي – تشكو من الغزو الثقافي ، فما بالنا بالأمم والشعوب الأخرى المستضعفة فكريا ، والفاقدة للنفوذ السياسي والاقتصادي (10).
وإذا انتقلنا إلى الأمة الإسلامية بكافة أقطارها وبلدانها فسنجد أنها واقعة تحت التأثير المباشر للغزو الثقافي والغزو الفكري ، مما أهلها لواقع متراجع لا تحسد عليه ، فعلى كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية ، يشهد المرء مزيدا من التردي في الأوضاع ، حيث بات التساؤل ملحا في معرفة أسباب هذا الواقع المؤلم والوضع غير المقبول ، فهل يا ترى يعود هذا الضعف إلى خلل أساسي في أساس الأمة ومكوناتها ، أم أنه عرض سيزول مع الوقت بزوال الأسباب؟ .
لا شك أن أحد أهم أسباب ضعف هذه الأمة هو وقوعها تحت التأثير المباشر للغزو الثقافي الذي أصبح حقيقة لا تحتاج إلى دليل يبرهنها ، حتى قال حسن الوراكلي :" إن الخطر يحدق بالأمة الإسلامية في عقيدتها وأخلاقياتها ويتهدد ذاتيتها ، وهو خطر ( التماهي) ، أي الانصهار في هويات ثقافية أجنبية ، المتمثل في دعوات تتقنع بأقنعة العلم والفكر ، وترمي إلى عزل الأمة ، وخاصة أجيالها الناشئة ، عن تراثها وثقافتها بالتشكيك في قيمها ومثلها تمهيدا لتهميشها ثم رفضهما إجمالا أو بـ ( تأويلهما) وفق صيغ جاهزة من رؤية مادية ومنهج جدلي يعتمدان مذهبية وثنية ملحدة مناهضة للمذهبية الإسلامية في منطلقاتها ومقاصدها، وهو ما يترتب عنه اجتثاث الأمة من جذورها الثقافية التي تتوغل في تاريخها وتمتد في تراثها (11) . وبذلك تفقد الأمة الإسلامية بوصلتها وتفقد خصوصيتها وتضيع في متاهات لا أول لها ولا آخر .
ومع استحضار عملية الغزو الثقافي في أذهاننا ، دعونا نلقي نظرة سريعة على واقع المشهد الثقافي كما تعكسه وسائل الإعلام العربية ( والإسلامية ) على وجه الإجمال لا التفضيل .. إذ يمكننا أن نشخص هذا الأمر في عدد من الملاحظات الرئيسة ، لعل أهمها : غلبة التغريب (12) في نسبة عالية من البرامج والمواد الثقافية والترفيهية التي تقدمها وسائل الإعلام العربية ( والإسلامية ) ، سواء في التوجهات الفكرية التي تنطلق منها ، أو في مضمونها ، أو في أساليب عرضها . ولعل أبرز الشواهد في هذا الميدان ما يقدمه الإعلام العربي ( والمسلم ) للأطفال والناشئة من برامج ومسلسلات وأفلام وإعلانات ، إذ تمتليء هذه المواد بمشاهد العنف والجريمة والسلوكيات المنحرفة والإيحاءات الجنسية ، فضلا عما تنقله لجمهورها من أوضاع وظروف غريبة عن مجتمعاتهم ، وبعضها غارق في الخيالات ولا صلة له بالواقع (13) . كما أن كثيرا مما يقدمه الإعلام العربي ( والإسلامي ) للمرأة من برامج ومواد صحفية وتلفزيونية لا يعكس قيم المجتمع العربي المسلم ، بل يروج – على نحو أو آخر – لأسلوب الحياة الغربية ، يصور المرأة – في الغالب – بوصفها سلعة للمتاجرة ، أو مجرد أداة للجنس والإغراء الرخيص (14) . ودونك الفضائيات التي تتناسل عبر الأيام والشهور وما تحمله من برامج غارقة في الدعوة للفجور والانحلال والسفور.
والشيء بالشيء يذكر ، فإن المتامل في المحتوى الثقافي الذي تقدمه وسائل الإعلام المعاصرة ( بما فيها العربية والإسلامية ) لا يخطيء ملاحظة الميل القوي – في الغالبية الساحقة من ذلك المحتوى – إلى تذويب الهويات الحضارية للأمم والشعوب التي لا تنتمي إلى الحضارة الغربية، والتهوين من شأن ثقافاتها الذاتية بشتى الطرق والأساليب ( بما في ذلك الأمة الإسلامية طبعا ) . وبالمقابل يركز المحتوى الإعلامي المعاصر ( بما فيه العربي والإسلامي) على تقديم الثقافة الغربية بوصفها الثقافة " الإنسانية" التي لا بد أن تهيمن وتسود(15).
وهذا الاختراق ( الغزو ) الثقافي الغربي للمجتمعات غير الغربية عبر وسائل الإعلام (وغيرها) ليس أمرا جديدا ، بل هو قديم ، وقد بدأ مع استيراد هذه المجتمعات النظم الغربية في الاتصال والبرامج والمواد الإعلامية ، وتقليدها للمدارس الغربية في تأهيل أعلامييها ، واعتمادها على نتائج البحوث والدراسات التي أجريت في الغرب، والنظريات التي عكست طبيعة البيئة الغربية وتطورها عبر العصور (16).
لقد برز الإعلام في السنوات القليلة الماضية قوة مؤثرة لا يمكن الاستهانة بها ، واليوم لا يقل خطر القوة الإعلامية ، وتأثيرها عن القوى التقليدية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية ، مثل القوى السياسية والقوى العسكرية والقوى الإقتصادية إن لم تتفوق عليها ، بل يمكن القول دون مبالغة ، إن القوى التقليدية الأخرى لا يكتمل تأثيرها ، ولا يتحقق كثير من أهدافها إلا إذا اقترنت بالقوة الإعلامية (17) . وهنا مكمن الخطورة ، إذ إن الإعلام يخاطب أكبر قاعدة جماهيرية فى المجتمعات عامة .
لا غرو إذن ، أن يتم تركيز القسم الأكبر من الغزو الثقافي في وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة ، وهي وسائل لا شك لها القدرة الكبيرة في إبهار جماهيرها ، مما يساعد فى تنفيذ مناشط وبرامج الغزو الثقافي وخططه على الأمة الإسلامية ، على اعتبار أنها ذات اتصال مباشر ومكثف ويومى بالشعوب الإسلامية ، اتصال تسيطر عليه عوامل التشويق والإثارة والحمل على المتابعة .
ومن هنا نخلص إلى أن الأمة الإسلامية ، مثلها مثل الأمم غير الغربية ، تقع تحت تأثير الغزو الثقافي المباشر ، وإن كان التركيز الأكبر يقع عليها ، لخصوصية الدين الذي تعتنقه ، ولخصوصية الثقافة والحضارة اللتين تنهلان من هذا الدين .
وإذا كان الغزو الثقافي بهذه الخطورة فما هي خصائصه وأهدافه ؟
يشترك الغزو الثقافي مع الغزو الفكري في معظم الخصائص ، بل قد يتطابقان في هذا المجال، إذ عندما نذكر خصائص واحد منهما فإننا نذكر – في أغلب الأحيان – خصائص الآخر .
إن أهم خصائص الغزو الثقافي ( والفكري ) كما يذكر محمد فتح الله الزيادي ما يلي :
أولا : الخفاء ، فهو غزو يمر في صمت ودون ضجيج ، وربما لا يشعر به المغزو ، لأنه يمرر في أساليب لا تثير انتباها إلا بعد أن يستفحل داؤها.
ثانيا : الصبر وطول الوقت ، فالغزو الثقافي لا يعتمد على غارات سريعة تؤتي ثمارها آنيا ، ولكن يستمر لسنوات طويلة ، قد تكون قرونا ، فهو يتعامل مع أجيال ، ولذلك فإن آثاره تكون متأخرة وتأخذ وقتا طويلا لإزالتها ، يتوازى مع الزمن الطويل الذي انتشرت به .
ثالثا : تنوع الوسائل ، فهو يستخدم كل الأساليب والوسائل المتاحة المباشرة وغير المباشرة ، ولذلك فإنه يصعب التنبه إليه في بداياته ، لأنه قد يأتي حتى مع أدوات ضرورية لا يمكن التفريط فيها .
رابعا : الشمول ، فهو يطال جميع أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية (والثقافية ) وغيرها . ويتعامل مع جميع الأفراد صغارا وكبارا ، نساء ورجالا ، مثقفين وجهلة .
خامسا : القوة ، أي أن الغزو الثقافي لا بد أن يرتكز على قوة مادية تدعمه سواء كانت هذه القوة متمثلة في قوة الفكرة ذاتها أو تمثل في قوة الداعين لها ، العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو العلمية . ومنطق الغالب والمغلوب هو الذي يسير في معظم الأحوال موازين الغزو الثقافي (18).
ويستنتج من هذا أن الغزو الثقافي خصائص يرتكز عليها في استشرائه بين الأمم ، وهي خصائص دقيقة تجعله قادرا على التمكن من عقول وقلوب المغزوين .
أما بالنسبة لأهداف الغزو الثقافي ، فإنها هي نفسها أهداف الغزو الفكري ، وإذا خصصنا القول في أهداف الغزو الثقافي على الأمة الإسلامية فيمكن ذكر الأهداف التالية على سبيل المثال لا الحصر ، وهي :
1- أن تظل الشعوب الإسلامية خاضعة لنفوذ القوى المعادية لها .. تلك القوى التي تتمثل في عدد محدود من الدول الكبيرة التي تحمي بعضها ، ويتبادل ساستها الدفاع عن المصالح ، التي تهم أي طرف من أطرافها.
2- أن تظل بلدان العالم الإسلامي خصوصا ، والعالم النامي عموما تابعة لتلك الدول الكبيرة المتقدمة ، تبعية غير منظورة ، وفي هذه التبعية يكمن دهاء تلك الدول المتبوعة وذكاؤها، فليس أقتل للشعوب من أن تحس بالحرية ، بينما هي ترسف في قيود الذل والتبعية.
3- أن تتبنى الأمة الإسلامية أفكار أمة أخرى من الأمم الكبيرة دون نظر فاحص ، وتأمل دقيق ، مما يؤدي إلى ضياع حاضر الأمة الإسلامية .. وتبديد مستقبلها ، فضلا عما في ذلك من صرف عن منهجها وكتابها وسنة نبيها .
4- أن تتخذ الأمة الإسلامية مناهج التربية والتعليم لدولة من هذه الدول الكبيرة فتطبقها على أبنائها وأجيالها ، فتشوه بذلك فكرهم ، وتمسخ عقولهم ، وتخرج بهم إلى الحياة وقد أجادوا تطبيق تلك المناهج عليهم شيئا فشيئا ، فيعيشون في الحياة وليس لهم منها إلا حظ الأتباع والأذناب .
5- أن يحول العدو بين الأمة الإسلامية وبين تاريخها وماضيها وسير الصالحين من أسلافها، ليجعل محل ذلك تاريخ الدول الكبيرة الغازية وسير أعلامها وقادتها .
6- أن تزاحم لغة الغالب المغلوب ، فضلا عن أن تحل محلها أو تحاربها بإحياء اللهجات العامية والإقليمية ، وما دام الإنسان لا يفكر إلا باللغة ، فإن إضعاف لغة أمة هو إضعاف لفكرها.
7- أن تسود في الأمة المغزوة أخلاق الأمة الغازية وعاداتها وتقاليدها.
8- تصوير تراث الأمة الإسلامية بصورة التخلف وعدم القدرة على إمداد الحضارة بشيء مفيد ، وإنه لم يكن له فضل على الحضارات التي جاءت بعده .
9- إحياء الجوانب الضعيفة في التراث الإسلامي ، خاصة فيما يتعلق بالخلافات السياسية التي قعت بين المسلمين ، والتركيز على دعوات الحركات الباطنية وإخراجها بصورة جميلة مضيئة ، ووصف هذه الدعوات بأنها كانت تحمل فكرا عاليا وفلسفة عميقة .
10- إضعاف مثل الإسلام وقيمه العليا من جانب ، وإثبات تفوق المثل الغربية وعظمتها من جانب آخر ، وإظهار أي دعوة للتمسك بالإسلام بمظهر الرجعية والتأخر.
11- تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان ، ولم يكن للعرب والمسلمين إلا نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها.
12- إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم عن طريق إحياء القوميات التي كانت قبل الإسلام، وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم.
13- اقتلاع العقيدة الإسلامية من قلوب المسلمين وصرفهم عن التمسك بالإسلام نظاما وسلوكا.
14- تفريغ العقل والقلب من القيم الأساسية المستمدة من الإيمان بالله ،ودفع هذه القلوب عارية أمام عاصفة هوجاء تحمل معها السموم عن طريق الصحافة والمسرح والفيلم والأزياء والملابس (19).
إن هذا النص المقتبس الطويل الذي يعكس لنا أهداف الغزو الثقافي ، ليوضح بجلاء أن الغرض الأساسي من هذا الغزو هو تجريد الأمة الإسلامية من أرصدتها تماما ، تجريدها من رصيدها الديني ، وتجريدها من رصيدها الثقافي ، وتجريدها من رصيدها الحضاري ، وتجريدها من رصيدها السياسي .. إلخ ، لتصبح أمة تؤمن بالثقافة الغربية قلبا وقالبا.
والحق أنه من الخطأ أن يعتقد البعض بأن النموذج الغربي يصلح لمجتمعنا العربي الإسلامي ، حتى وإن كان الغرب أكثر تقدما وتطورا علميا ، فاستيراد الأنماط الجاهزة لا ينتج عنه سوى التبعية التي يريدها الغرب، وينبذها كل إنسان مخلص لهذا المجتمع ويريد أن يراه متماسكا وقويا دائما (20).
إن تحقيق أهداف الغزو الثقافي على الأمة الإسلامية لا يتم إلا عبر حملات متصلة عبر الأيام، مستصحبة في ذلك خصائص الغزو الثقافي – التي مرّ ذكرها - ، ولعل أهم حملات الغزو الثقافي التي اخترقت جسد الأمة الإسلامية كما يرى نزار نجار يمكن تناولها في الآتي :
أولا: الطفل ، إن رسوم الأطفال المتحركة المقدمة لأطفالنا تقودنا إلى اكتشاف التقصير البالغ في استخدام هذا الفن الخطير ، فمعظم أفلام الكرتون والصور المتحركة المقدمة لأطفالنا أمريكية أو غربية الصنع والهوية ، وقد صممت لأطفال غير أطفالنا ، وبعقلية غير عقليتنا ، وتشجع عادات وأخلاقا لا نقر أكثرها ، وتمرر ثقافات لا نرضاها.
ثانيا : الترجمة والنقل عن اللغات الأخرى ، هذه الترجمات التجارية لا تشرف الأدب العربي الحديث في شيء ، والجيل السابق يتذكر جيدا كيف أغرقت أسواق الكتب في دمشق وبيروت والقاهرة والعواصم العربية بروايات الجيب ، فأصبح النشء العربي أعرف بأعمال ( أرسين لوبين ) أكثر من أي بطل عربي ، وقل مثل ذلك في روايات عبير ( التي غزت الأسواق حاليا ).
ثالثا : اللغة العربية وعلوم العصر ، لغتنا الغربية استوعبت بحيويتها ألوان الثقافات وتمثلتها بقدرة هائلة .. ونلاحظ أن هذه اللغة ما زالت ، برغم مرور القرون ، مفعمة بالحيوية والكفاءة ....، العربية – اليوم – أداة شائقة في التعبير عن الحداثة شعرا ونثرا ، يخبرك المغرضون والضالون أنها قد لا تصلح لتأدية العلوم العصرية ، والواقع أنه لولا اللغة العربية التي بقيت صامدة أمام الهجمات الثقافية والانتماءات الغربية لما بقي للثقافة العربية (والإسلامية ) وجود في الحاضر .
رابعا : الإنسان المعاصر معرض لضغوط هائلة على وقته ، هناك عشرات القنوات التلفزيونية ( الفضائية وغير الفضائية ) ، وهناك مئات المحطات الإذاعية ، وهناك عشرات الصحف والمجلات والدوريات التى تحاصره .
خامسا : هناك من يجد فقرا في الإبداع ، فيندفع إلى التنكر للثقافة الوطنية والقومية ، وينبذها جملة وتفصيلا ، غير متشبت بالجوانب المستنيرة في تراثها .. ويرتمون في أحضان الثقافات الغازية التي يجدون فيها ضالتهم .. ويكثر التعويل على الآخرين ، فتتحول الأمة إلى مستهلك سلبي .
سادسا : محاولات شتى لطمس الهوية ، وتضييع انتمائها وأصولها ، ومحاولات شتى تبذل لاغتراب الجماهير ذاتها وتقوقعها في أطر محلية ضيقة ، فأحداث العالم العربي وأحداث العالم الإسلامي لم يعد لها صدى بين الجماهير (21).
كما هو واضح فإن حملات الغزو الثقافي تستهدف مجالات حساسة في حياة الأمة الإسلامية ، بغيرها لا تكون لها خصوصية ، ولا تقوم لها قائمة ، فماذا تبقى لها إذا أفلح الغزو الثقافي في تحقيق أهداف حملاته التي تستهدف من الأمة الإسلامية أطفالها وناشئتها ولغتها وإبداعها وهويتها وانتماءها .. إلخ ؟
الواقع ، إنه قد ترتب على حملات الغزو الثقافي كما يذهب عمر الحامدي اختراق داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي ومحاولات مسخ الشخصية الحضارية العربية الإسلامية وتوظيف ظروف التخلف والتجزئة في ضرب البنية الحضارية العربية الإسلامية . إن الكثير من المؤشرات داخل الوطن العربي ( والعالم الإسلامي ) تعطينا الدليل على أساس أن الهجوم الغربي العنيف له جوانب متعددة ، ولكنها جميعا تخدم البعد الحضاري . إن حروب القبائل والطوائف في الوطن العربي والعالم الإسلامي هي تمزيق للنسيج الثقافي ، والقاعدة الثقافية للشخصية العربية الإسلامية ، وما تواجه به اللغة العربية والثقافة العربية في أكثر من بلد عربي وإسلامي لدليل على ذلك(22).
والحق ، إن الغزو الثقافي والفكري الذي تتعرض له المنطقة العربية ( والإسلامية ) من الخارج يجيء ليكمل هذه السلسلة ( الإيقاع بين العروبة والإسلام ، وزرع الشقاق والخلاف بين الدول العربية ( والإسلامية ) ، ومساندة الأقليات في داخل بعض الدول العربية (والإسلامية) بقصد خلق التفرقة والتشتت القومي في الداخل).. كل هذا يتم تحت ستار المدنية والحضارة . وأصبح الغزو الثقافيّ يتخذ المرتكزات التالية :
1- تفتيت الوطن العربي ( والإسلامي ) وإضعافه .
2- إجهاض كل أشكال التضامن العربي ( والإسلامي).
3- إذكاء الخلافات العربية – العربية والعربية – الإسلامية .
4- القضاء على التماسك الأخلاقي والاجتماعي ( وسط الأمة الإسلامية ).
5- إحكام الحصار على العرب ( والمسلمين ) حتى لا يمتلك أي منهم قوة عصرية علمية أو تقنية أو عسكرية أو اقتصادية .
6- التصفية البطيئة لحضورهم الحيوي والثقافي والعقدي (23).
إن واقع الأمة الإسلامية الحالي ليعكس أن الغزو الثقافي قد تمكن من تحقيق جملة من المرتكزات التي استند عليها في حملاته على الأمة الإسلامية. وتظل آثاره التي نذكرها بعيد قليل شاهدا قوة وتمكن هذا الغزو .
يذهب محمد فتح الله الزيادي إلى أن الغزو الثقافي تظهر آثاره على الأمة الإسلامية في أشكال متعددة ، نذكر منها ما يلي :
أولا : ضعف الوازع الديني .. وتبع ذلك نقص في حصيلة الثقافة الدينية ، مما أدى إلى شيوع الأمية الدينية ، والذي أثر بدوره في الالتزام بالأوامر الدينية من اهتمام بأداء العبادات ، وحرص على الالتزام بالقيم والمباديء الدينية كالصدق والأمانة والإخلاص والحرص على المال العام وعدم اهتمام بشيوع الرزيلة .. إلخ .
ثانيا: استيراد المظاهر السلوكية الغربية ، والحرص على تطبيقها في مجتمعاتنا العربية (والإسلامية ) بدعوى التطور والعصرية . ويبدو ذلك في تقاليدنا للأزياء الغربية عند الجنسين ، وليس ذلك فحسب ، بل النظر باحتقار وازدراء إلى مرتدي الأزياء المحلية.
ثالثا : تعود قبول كل أنماط وأساليب الحكم السائدة في المجتمعات الغربية من أنظمة حزبية وطبقية مختلفة كنظام الحزب الواحد والتعددية الحزبية وغيرها ، وتبع ذلك رفض لكل عودة إلى أصالتنا العربية ( والإسلامية ) التي تتمثل في الشورى وما يتبعها من حرية حقيقية تخدم الإنسان وتجعل لحقوقه قدسية متميزة .
رابعا : اعتماد مثقفينا وخاصة خريجي الجامعات الغربية على مرجعية غربية كاملة ، فمعظم أبحاثهم ومؤلفاتهم تنهل من مصادر غربية حتى ولو كان موضوع البحث قضية عربية ( أو إسلامية ) صرفة ، وكل بحث لا يشير إلى مصادر أجنبية هو بحث ناقص ولا ينال رضا من هؤلاء (24).
تعكس آثار الغزو الثقافي على الأمة الإسلامية التي ذكرها محمد فتح الله الزيادي تشخيصا موفقا للوضع الراهن للشعوب العربية والإسلامية ، كما تعكس أيضا مدى انحراف بعض شعوبها عن جادة الطريق ، فما الحل للخروج من هذه الدائرة الصعبة ، وما السبيل لمواجهة هذا الغزو الذي تعددت صوره وأساليبه وأهدافه وآثاره ؟
قبل اقتراح أساليب محددة لمواجهة الغزو الثقافي الذي تتعرض له الأمة الإسلامية ، هناك عدد من المفاهيم ذات الارتباط العضوي بهذا الغزو ، تتداخل وتتشابك معه في أغلب الأحايين، لعل أهمها كما يرى عبدالله أبوهيف ، الآتي :
1- الاستقطاب والهيمنة .
2- التبعية .
3- التغريب ، وستناوله بالتركيز لاحقا .
4- التنميط ، وهو يعني إنتاج نمط ثقافي واحد وفق إرادة المنتج المهيمن ، ويكون ذلك عبر وسائل السيطرة المختلفة كالتقنية والمعلوماتية والاتصالات .
5- التغطية ، وهو أسلوب إعلامي على سبيل التضليل بقصد قلب الحقائق أو تزييف الوعي، وتشكيل العقل وفق إملاء شروط الهيمنة .
6- العولمة (25) ، وسيتم التركيز عليها بعد قليل .
ولما كان من الصعوبة بمكان تناول جميع المفاهيم ذات الصلة بموضوع الغزو الثقافي ، فقد رأينا أن نقف عند مفهومين منها لأهميتهما ولصلتهما الوطيدة بالغزو ، وهما :
1- العولمة.
2- التغريب.
العولمة :
ظهر مصطلح العولمة بمفهومه الراهن حديثا جدا ، وذلك في بداية العقد الأخير من القرن العشرين ، وبرز كما تبرز أية ظاهرة اجتماعية.وأصبحت كلمة عولمة حديث مختلف الشعوب ومختلف الفئات ، وأدلى الجميع بدلوه لوضع حد خارجي أو إطار لهذه الظاهرة وتحديد مفهومها ، كل حسب الزاوية التي ينظر منها للعولمة ، لهذا فقد شغل هذا الموضوع العلماء والمثقفين وغيرهم . كما ساهم في دراسته وتحليله علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة (واللغات ) ، حيث أطلق بعضهم على هذه الظاهرة ( الكوكبة) أو( الكونية ) (26) ، وغير ذلك من المصطلحات التي تحتضنها بطون الكتب التي تناولت هذه الظاهرة .
إن الكوكبة ( العولمة ) ، كما يذهب إسماعيل صبري عبدالله ، هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة الثقافة والسلوك ، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة دون حاجة إلى إجراءات حكومية(27) . إذن هي دعوة تتبني إلغاء الخصوصية بغض النظر عن كونها خصوصية ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية .
يرى مولود زايد الطبيب أن العولمة تعمل بآليتين هما :
1- خلق تجانس في بنية العالم من خلال نشر ثقافة كونية .
2- التفكيك الاقتصادي للأطراف في العالم الإسلامي (28).
وبذا تلتقي آليتا العولمة بأهداف الغزو الثقافي ليعملا معا في اختراق الأمة الإسلامية دينيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا .
فيما يخص الآلية الأولى التي تعمل بمقتضاها العولمة ، التي تمت الإشارة إليها قبيل قليل، فإن العولمة تهدف إلى نشر ثقافة يكون من شأنها اختراق ثقافة الشعوب وسلبها خصوصيتها(29) ، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الثقافي وسطها.
ومن هنا يبرز لنا البعد الثقافي للعولمة كأحد أهم الأبعاد التي ترتكز عليها ظاهرة العولمة. وفي هذا المجال يذهب مولود زايد الطبيب إلى أن البعد الثقافي للعولمة ، هو الخلفية أو الأصل لبقية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ... يقوم عن طريقه بإشباع حاجات الأفراد ، الذين يبتكرون الوسائل لذلك ، ويتم لهم ما يرمون إليه عن طريق العقل والإدراك ، وما ترمي إليه العولمة في جانبها الثقافي ، أو كما يسميه البعض الغزو الثقافي ، أو الاختراق الثقافي ، هو السيطرة على الإدراك لاستبدال النسق القيمي لدى الشعوب (ثقافاتها ) ، بما يتماشى وثقافة الاستهلاك التي هي ثقافة العولمة (30).
ويذهب أحمد إبراهيم أبوشوك إلى القول بأنه لا جدال فى أن البعد الثقافي الذي تمحورت حوله أيديولوجيا العولمة المعاصرة ، هو بعد مستمد من فكر الحداثة العلماني ، القائم على مركزية العقل الغربي باعتباره الأداة المثلى التي ينبغي أن تفرض خصوصيتها على الآخرين، وتنميط سلوكهم البشري في إطار المدارات العامة التي تحكم حركة المجتمع الغربي ... ويضيف أبوشوك أن البعد الثقافي ( للعولمة ) ينادي – هنا – بالحرية الفردية المطلقة ، وحرية الاعتقاد النافي أيضا لوجود الله ، وتوحيد القيم الخاصة ببناء الأسرة والمجتمع ، تم تحديد أنماط السلوك البشري السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى (31).
ولما كانت العولمة بهذه الصورة ، فقد كان هناك اختلاف في كيفية التعامل مع بعدها الثقافي.
هناك ثلاثة تيارات فيما يخص التعامل مع البعد الثقافي للعولمة ، هي :
الأول : تيار رافض ، ويرى أصحابه الحفاظ على الهوية وحمايتها والانغلاق على الذات، والعودة إلى الموروث الثقافي القديم ، وهذا يعني الانعزال عما يجري في العالم من تطورات، وعدم الأخذ بعين الاعتبار حاجات ومطلوبات العصر.
الثاني : تيار يدعو للانفتاح على العولمة والاندماج بها ، ويرى أصحابه أن العصر الراهن تجاوز الهويات القومية ، دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة هذه العولمة.
الثالث : تيار يرفض العولمة بالشكل الذي تأخذه ، باعتبارها تقوم على نزعة الهيمنة ، وتعمل على إفراغ الهوية الوطنية من محتواها . وينطلق أصحاب هذا التيار من مفهوم الهوية الوطنية والقومية للثقافة ، والدعوة للحفاظ عليها وحمايتها ، وإيجاد حالة من التفاعل الإيجابي بين الثقافات (32).
يقول عطية العودة إن التيار الثالث ، هو الخيار الصحيح الذي يسمح بمواكبة التطور بالعالم دون الانعزال ، ويعرف كيف يتعامل مع ظاهرة العولمة بالشكل الذي يتمظهر فيه من خلال الانطلاق من الموروث الثقافي للأمة ، والحفاظ على ماهو أصيل وإنساني فيه(33). ونقول إن التيار الثالث ، بالإضافة إلى ما قال به عطية العودة ، هو الرأي التوفيقي الذي ينبغي أن يكون عليه موقف المسلم من البعد الثقافي للعولمة ، فخصوصية المسلم لا تجعله ينغلق ، كما لا تجعله يندمج كلياً ، بل هو يتعامل مع هذا الواقع للاستفادة من محاسنه وتجنب مساوئه.
يفهم مما تم عرضه أن اتفاقا شبه تام بين الغزو الثقافي وبين البعد الثقافي للعولمة ، وربما تتلاشى الفوارق بينهما حتى يصيرا شيئا واحدا ، فماذا عن مصطلح التغريب ؟
التغريب :
يفيد معنى التغريب أمرين ، الأول سيادة النزعة الغربية ، أو الاحتذاء بالغرب ( أوربا والولايات المتحدة ) ، والثاني هو الاستلاب أو الاغتراب ، أي خلق هوة بين المرء وواقعه ، حين تغلف الذات بمشاعر الغربة والوحشة والانخلاع والانسلاخ ، واللا انتماء بعد ذلك . ويفيد المعنى الاصطلاحي شعور المرء بأنه مبعد عن البيئة التي ينتمي إليها ، فيصبح منقطعا عن نفسه ، ويصير عبدا لما حوله ، يتلقى تأثيره المتمثل في إنجازات الإنسان ومواصفاته ونظم حياته ، دون فعالية تذكر (34).
لقد شكلت ثقافة الغرب بالنسب للعرب والثقافة العربية (وبالتأكيد بالنسبة للمسلمين والثقافة الإسلامية ) الاستعلاء والتكبر، تعبيرا عن موقع الغربي ، وكانت العلاقة الاستشراقية محكومة بموقعه كمستعمر ، وكلما اتسعت حلقات وعي الذات القومية والوطنية إزاء الآخر الغربي ، توضحت بجلاء أكبر ، حدة المعاناة التي تواجهها الثقافة العربية ( وكذلك الثقافة الإسلامية ) في مواجهة التغريب ، احتذاء بالغرب ، أو سلبا واغترابا عن الهوية والخصوصيات الثقافية بتأثير الغرب نفسه ، منتج وسائل التغريب الضخمة(35).
إن ثقافة التغريب تعد اليوم الثقافة الأكثر تحديا لثقافات كثير من الأمم والشعوب ( بما فيها شعوب الأمة الإسلامية ) ، بل إنه ليس من المبالغة في شيء ، كما يشير عبدالقادر طاش، إلى أنها ثقافة " الهيمنة " . ومن جهة أخرى تستند ثقافة التغريب إلى مزاعم باطلة على رأسها أنها – كما يقول المروجون لها والمنافحون عنها – ثقافة " إنسانية " لا تختص بأقوام دون آخرين ، كما أنها ثقافة " عالمية " أو " كوكبية" لا تحدها حدود جغرافية ولا تاريخية ، وبما أنها ثقافة إنسانية وعالمية فهي ثقافة صالحة للناس جميعا ، ولا بد لها أن تسود العالم(36) . أما القول بإنسانية هذه الثقافة وعالميتها فأمر يكذبه الواقع ، إذ قدر سكان المعمورة أن يكونوا متعددي الثقافات كما هم متعددو اللغات والأعراق .
إن ثقافة التغريب ، أيضا ، تتسع دائرتها يوما بعد يوم في كثير من المجتمعات المعاصرة – وليس في المجتمعات العربية والإسلامية فقط ، وتتوالى بالمقابل وتيرة انحسار الثقافات القومية والذاتية للعديد من المجتمعات غير الغربية (37) . وقد تم ذلك بفعل الدعاية المكثفة التى تساند وتقوي ذلك النوع من الثقافة .
مهما يكن من أمر ، فإن نجاح قدورة يشير إلى أن ثقافة التغريب ثقافة تسلطية نتيجة شعورها بالقوة ، ونتيجة لاستغلالها السياسي ، وتوافر وسائل الهيمنة لديها ( 38) ، ويستنتج من ذلك أن ثقافة التغريب إنما تستمد انبهاريتها من عوامل لا تمت للثقافة بصلة وطيدة .
ومن هنا يأتي رفض التغريب بمفهوم محاولة إحلال ثقافة الغرب محل الثقافة الذاتية للأمة ( الإسلامية ) ، بوصفه ضرورة حضارية من ثلاثة جوانب :
أولها : إن الدفاع عن الهوية الثقافية حق مكفول في شرائع الأديان السماوية وفي تنظيمات القانون الدولي . ولقد كان الإسلام أكثر الأديان السماوية حرصا على عدم الاعتداء على ثقافة الآخرين ، بل أسهم الإسلام في حفظ تلك الثقافات ورعايتها في ظل حضارته التسامحية .
ثانيها : إن حضارة الغرب حضارة خاصة لها منطلقاتها الفكرية والأيدولوجية الملائمة للغرب فلماذا تجرد من خصوصيتها لتصبح عامة لكل البشر .
ثالثها : إن الذي يسوغ لنا رفض ثقافة التغريب الغازية ، يتعلق بثقافتنا الإسلامية نفسها ، فهي ثقافة تقدم للناس خيارا آخر يمكن أن يحتذوه ، وإن سيادة ثقافة التغريب وعدوانها على الثقافة الإسلامية يضعف من موقف الخيار الإسلامي مما يفقد الإنسانية حرية الموازنة بين الثقافات واختيار الصالح منها (39) .
ومثلما قلنا عن العلاقة بين الغزو الثقافي والبعد الثقافي للعولمة فإن هذا الأمر يتكرر مع التغريب ، إذ بينهما اتفاق شبه تام ، وربما تتلاشى الفوارق بينهما حتى يصيرا شيئا واحدا.
وكيفما كان الحال ، فإن الغرب لم يكتف بغزو الأمم والشعوب ثقافيا ، أو ربما أراد بعد أن تحقق له أغلب ما يريد فى هذا المجال ، أن ينقل الحرب إلى ساحة أخرى ، لا سيما بعدما ظهر مفهوم النظام العالمي الجديد والقطب الواحد ، فكانت هذه الساحة هي الحضارات والثقافات ، فنحت مصطلحاً جديداً سمي " صراع الحضارات " فماذا يعني هذا المصطلح ، وإلى ماذا يهدف ؟
نظرية صراع الحضارات :
إن فكرة التصادم ( الصراع ) قديمة تتأثر بشكل أو بآخر بثقافة العصر وبطبيعة العلاقات الدولية في المجتمع الإنساني ، فضلا عن تغيرات الفكر العلمي والفلسفي . وفكرة التصادم في الأدبيات الغربية ، تطرح موضوع العلاقات بين الشرق والغرب ، كونها علاقة تصادمية ، أو ستكون كذلك ، وقد طرقت قبل صمويل هنتنغتون ( الذي ارتبط به مصطلح صراع الحضارات فى السنوات الأخيرة ) ، كتحصيل حاصل لنظريات تفسيرية تستشرف العلاقة بين الشرق والغرب عامة والإسلام والغرب خاصة (40) .
ظهرت أطروحة " صدام الحضارات " في باديء أمرها في صيغة بحث أعده المنظر الأمريكي صمويل هنتنغتون ضمن سلسلة من الأبحاث التي قدمت لمعهد جون أولن للدراسات الإستراتيجية في جامعة هارفارد ، وذلك في إطار برنامجه الموسوم بـ " متغيرات البيئة الأمنية والمصالح القومية الأمريكية " ، ثم نشر هذا البحث لاحقا في مجلة الشؤون الخارجية عام 1993م ، وأخيرا اكتملت معالمه واتضحت قسماته الأكاديمية في شكل كتاب يتكون من 367 صفحة من الحجم المتوسط ، نشرت طبعته الأولى عام 1996م(41).
ويعتبر موضوع الكتاب في حد ذاته من أكثر الموضوعات التي أثارت الرأي العالمي المهتم بقضايا العلاقات الدولية الاستراتيجية المعاصرة ، لأنه استند إلى فرضية مؤداها أن المصدر الرئيسي للصراعات في عالم ما بعد الحرب الباردة لن يكون أيديولوجيا أو اقتصاديا، بل سيتمركز حول الخطوط المتوترة الفاصلة بين حضارات العالم الرئيسة. وأن الاختلافات بين هذه الحضارات ، حسب رؤية هنتنغتون التشاؤمية ، هي اختلافات متجذرة في التاريخ والثقافة واللغة (42). وهو بهذا يقصي رؤية الانسجام والتواءم الحضاري ، وينزل التنابذ والتنافر إلى حيز الواقع الفعلي (43).
ارتبطت نظرية صدام الحضارات والثقافات ، كما ذكرنا قبل قليل ، بالأمريكي صمويل هنتنغتون ،وهي عنده طرح بوادر لرسم أيديولوجية جديدة للهيمنة الغربية على العالم ، ومما أراد أن يشير إليه هو أن تمايز الثقافات يشكل محور الخطورة إلى الغرب ، وكما هو معروف فقد ركز على الحضارة العربية الإسلامية ، على أنها العدو المقبل للغرب بعد انتهاء الحرب الباردة ، حيث أن سيطرة القطب الواحد الموجودة الآن ، من منظوره ، لا تستمر إلى الأبد ، إلا في حالة سيطرتها على أية محاولة للنهوض من قبل الثقافات والحضارات الأخرى ، والتي حددها بسبع أو ثمان ، وقد اختلفت القراءات لتلك الأطروحة ، حيث اعتبرها البعض تغطية لأمور مخفية لا تظهر إلا بإعمال العقل والتمعن (44). وهو إعمال يحتاج إلى المزيد من عصف الذهن حتى تتم القراءة الصحيحة لهذه النظرية بأبعادها المختلفة .
وكالعادة ، فقد تعددت تفسيرات خروج طرح صدام الحضارات ما بين افتراض أن الدعوة لمواجهة عدو جديد على أسس حضارية ، وليست أيديولوجية توفر رؤية مشتركة للغرب، وسببا للحفاظ على تماسك تحالفه السياسي والثقافي خوفا من منافسات اقتصادية ، فيما بين دوله ، فقد تؤدي إلى صدامات تعصف بصلابة التحالف الغربي ، وما بين الافتراض أن الدعوة تعكس أحقادا وعداوات قديمة ودفينة لدى بعض الدوائر في الغرب ضد الحضارات الشرقية ، خاصة الإسلامية والشرقية ، وذلك لاعتــبارات تاريخية وعقائدية وسياسية وثقافية (45) . وتتجلي الأحقاد والعداوات على الحضارة الإسلامية في كثير من كتابات المستشرقين الذين دسوا السم في الدسم في الغالبية العظمى من مؤلفاتهم عن الحضارة الإسلامية وشعوبها.
هذا ، ويرى أحمد أبراهيم أبوشوك أن أطروحة صدام الحضارات التي أسسها هنتنغتون تفترض جدلا أن تاريخ البشرية تاريخ يقوم على منطق الصراع الأبدي وقانون البقاء للأصلح، ومن ثم يجب أن ينظر إليه باعتباره تاريخا تحدد معالمه في ضوء الصراع الذي يحدث حول الخطوط المتوترة الفاصلة بين الشعوب والحضارات المختلفة ، ويستشهد في هذا المضمار بالصراع الذي حدث في باديء أمره بين الأباطرة والأمراء في الغرب ، ثم أعقبه صراع الدول القومية ، ثم تلاهما صراع الأيديولوجيات في فترة الحرب الباردة ، ويرى هنتنغتون – وفقا لأبوشوك ، أن خواتيم هذا الصراع ستتجسد في الصدام المرتقب بين الحضارة الغربية في طرف والحضارتين الإسلامية والكنفوشية من طرف ثان ، ومن ثم يحث هنتنغتون دول المركز الرأسمالية على تطوير الآليات والوسائل المتاحة لها التي تعينها في المحافظة على " إرثها الحضاري الفريد " ، و تؤهلها لتدمير قدرات الحضارات المناهضة لها عالميا ودحرها في كل الميادين الحياتية (46).
إذن ليس بمستغرب أن ينظر الغرب بريبة شديدة لعلاقات تنشأ بين الدول العربية والإسلامية مع اليابان والصين وغيرهما من دول آسيا ، كما أن الغرب يحشد كامل طاقاته لمحاربة الدول العربية والإسلامية في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب ، إنه يفعل كل ذلك وعينه مركزة على الحضارة الإسلامية .
يبرر هنتنغتون حتمية الصراع بين الحضارتين الغربية والإسلامية بقوله إن الأصولية الإسلامية ليست مشكلة الغرب الأساسية ، بل الإسلام هو المعضلة ، لأنه ثقافة مختلفة والمنتمون إليها مقتنعون بسمو ثقافتهم .. وأن المخابرات الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية ليستا مشكلة الإسلام ، بل الغرب هو المشكلة ، لأنه ثقافة مختلفة والمنتمون إليها مقتنعون بعالمية ثقافتهم وتفوقهم الذي يفرض عليهم نشر هذه الثقافة للعالم (47) .
وفي كل الأحوال ، وأيا كانت دوافع أطروحة صدام الحضارات ، فقد كان رد الفعل المتوازن العاقل في آن واحد هو الداعي إلى حوار الحضارات ، وهي دعوة تبنتها دوائر كثير عبر العالم ، خاصة في العالــــم الإسلامي ، كما تبنتها أصوات عاقلة في الغرب (48).
إن الذي يعكسه الواقع هو تشدد الغرب في تبنيه لأطروحة صدام الحضارات ، واعتزازه المتزايد بحضارته التي يطرحها باعتداد ، حضارة عالمية وثقافة إنسانية ، فماذا تفعل الشعوب غير الغربية إزاء هذا الوضع الذي يقود البشرية إلى حافة الهلاك ؟
في الإجابة عن هذا السؤال المركزي ، ابتداء ، لا بد من طرح مفهوم آخر يقابل مفهوم "صدام الحضارات " ، وهو بلا منازع سيكون " حوار الحضارات " . وإذا تم قبول ذلك فماهي مبررات هذا الحوار ودواعيه وماهي أهدافه وموضوعاته ومرتكزاته .
حوار الحضارات :
لا تستطيع أمة من الأمم على وجه المعمورة أن تنأى بنفسها عن التفاعل والاختلاط مع الأمم الأخرى ، ولما كانت الأمة الإسلامية ذات رسالة أمرت بتبليغها ، فإن هذا من شأنه أن يلقي عليها عبئا كبيرا فيما يخص عملية التفاعل مع الأمم الأخرى ، يتم خلاله دعوة تلك الأمم إلى رحاب دين الله .
إن من طبيعة الإسلام أنه يفتح صدره لكل ألوان المعارف والثقافات ، صحيحها وسقيمها، فأما الصحيح منها ، مما يفيد الإنسان المسلم في دينه وحياته ومجتمعه ، فهو يحض عليه ، ويدعو إلى حيازته ، وقد كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه معبرا عن روح الإسلام الحقيقية عندما قال : الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجوها فهو أحق الناس بها ، وأما السقيم من ألوان الثقافة فلبيان ما فيه من أثر سلبي في الأفراد والجماعات في دينهم ودنياهم (49).
إذن نحن بحاجة إلى حوار حضارات يمثل رؤية مستقبلية في هذا العالم المتغير المقبل علي آفاق جديدة تتطلب تبادل الأفكار والثقافات بروح المرونة والتسامح ، وبحيث يحقق العالم الإسلامي فعلا حضاريا مؤثرا ، وتفاعلا إيجابيا يضمن للعالم الإسلامي موقعه وأثره في المجتمع الإنساني بحيث يكون مجتمعا مسلما يعزز استقرار الحياة الإنسانية المضطربة ، ويعمل على إشاعة الأمن والسلام في الغرب (50) . وليت العالم الغربي يعي حاجته للاستقرار والأمن والسلام التي لا تتأتي إلا بشاعة روح الحوار بين الحضارات التي تنتظم المعمورة .
إن حوار الحضارات هو السبيل الوحيد الذي يقود إلى المحافظة على التعايش الحضاري في بلدان العالم ، وهو الطريق الوحيد الذي يجنب البشرية أخطار صراع جديد يجعل من الاختلاف الحضاري ذريعة للتأجيج ، إنه صراع ليس للأمة الإسلامية أية مصلحة فيه .
إن الأمة الإسلامية ، وفقا لزيد بن عبدالمحسن الحسين ، بحاجة إلى أن تعيش في هذا العالم أمة متقدمة حرة ، تتعايش مع الأمم الأخرى وتبادل الاحترام الذي لا يلغي الاختلاف وخصوصية الهوية الثقافية ، والأمة الإسلامية ليست بحاجة إلى أن تكون طرفا في حرب باردة ( أو ساخنة ) جديدة ، بل إلى أن تفرغ جهودها كلها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، كي تتجاور ذلك التأخر الذي ألم بمجتمعاتها إبان عصور الانحطاط الطويلة ، ولترتقي إلى مصاف الأمم والمجتمعات المتقدمة التي تتعامل معها من موقع التكافؤ والندية ، لا من موقع الضعف والتبعية (51).
وبذا يكون حوار الحضارات أو التفاعل الحضاري بديلا للغزو الثقافي ، لأن حوار الحضارات يقوم على التكامل والتحاور بين الحضارات الإنسانية دونما تسلط أو قهر أو فوقية.
ويكاد يكون مؤكدا ، أنه لا توجد حضارة قائمة بذاتها ، واكتفت بذاتها مستغنية عن غيرها، وإنما هي نتيجة تطور حضاري ، وتفاعل بين حضارات أخرى ، تفاعلت هي بدورها مع غيرها من الحضارات في الزمان والمكان (52).
وعن دواعي الحوار ومبرراته ( مع الغرب وحضارته ) يرى حسن الترابي أن تطور العالم الحديث وثق الصلات العالمية وجعلها محورا واحدا للتفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما جعلها أيضا محورا للخطاب الفكري والثقافي ، فلا مجال لنا في الواقع أن نعكف على ساحة خاصة داخلية ، مما أوجد ضرورة عملية ملحة للحوار فرضها الواقع العالمي المؤسس على التواصل والتبادل والتفاعل والاعتماد المشترك بين الأمم والشعوب والجماعات والحركات ، وهذا يقتضي منا ويدفعنا في سبيل فهم الآخرين ، وتاريخهم وواقعهم وحقائقهم وإمكانياتهم ، ومن ثم السعي إلى التدريب والتأهيل والتفاعل معهم، وتأسيس أرضية ثابتة وراسخة من الفهم المتبادل والحقيقي لطبيعة كثير من الموضوعات المطروحة في هذا العصر ، ومحاولة الالتقاء حول نقاط مشتركة من الحقوق والواجبات والعمل على التقريب بينها وتوسيعها للحيلوة دون أن تشكل عقبة في سبيل التفاهم والتفاعل الاستراتيجي المشترك ، قاصدين من ذلك تغيير كثير من الأفكار والمفاهيم والثقافية والحضارية الراسخة لدى الغرب عن الإسلام ورسالته وتكيفه مع الواقع المعاصر ، وتكيف الآخرين معه . وهي محاولة في آن الحال لمحو عديد من الإشكالات والتناقضات التاريخية بين الإسلام والمسيحية واليهودية أو بين المشرق الإسلامي والغرب عموما (53).
ويرد حسن الترابي ، في مقام آخر ، على تسؤال الكثيرين عن جدوى الحوار مع الغرب (ومع حضارته ) المتحرر عن الدين وضوابط الأخلاق إن كان ليبراليا أو شيوعيا أو وجوديا إنسانيا محضا ، والذين ينطلقون في تساؤلهم من مؤثرات ذلك التقسيم الذي يقول بتقسيم الحياة إلى دار سلم ودار حرب ، ونحن علينا تصويب ذلك بتحديد بعض المفاهيم التي يروج لها بعض المستشرقين ، ذلك أن بعض الأحكام التي كانت تروح بصورة مبتورة كثيرا ما كانت تخلف معوقات لحركة الحوار مع الغربيين وغيرهم ، فمعيار التقسيم هذا دار سلم ودار حرب ، وفقا للترابي ، يجب ضرورة النظر في تصحيحه ، لأن الصحيح أنه دار سلم ودار حرب ودار عهد أو صلح أو حتى دار حلف عسكري (54).
أما عبدالله بن عبدالمحسن التركي فيشير إلى أننا بحاجة إلى محاورة الغرب والاتصال به لبيان مواقفنا في كثير من القناعات التي يؤمن بها الغرب ، ويريد فرض إيمانه بها على الآخرين ، ومن تلك القناعات مفهوم الديمقراطية وممارستها بالأسلوب الضيق ، ومفهوم الأسرة بالتحلل الجنسي ، ومفهوم حقوق الإنسان بما يتعارض مع مسلمات رسالات الله للبشر، والتجارة الدولية بما يتجاوز السلطة والسلطان ، وحقوق الشعوب .. ويضيف التركي أنه لا بد من أن يكون الهدف الإسلامي من هذا الحوار بين ممثلي الحضارات هدفا دعويا بمفهوم الدع