كتاب علم الاجتماع العائلي هو من تأليف الدكتور عبد الرؤوف الضبع أستاذ ورئيس قسم الاجتماع في كلية الآداب بسوهاج, جهة نشر الكتاب هي دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر, وعدد صفحاته (245) صفحة.
ويرى المؤلف أن البناء الاجتماعي يقوم على عدد من النظم الاجتماعية المترابطة والمتداخلة، وتمثل الأسرة أول نظام اجتماعي عرفه الإنسان قام على أداء كل الوظائف التي تقوم بها النظم الاجتماعية المعاصرة، ومع التغير الاجتماعي الذي صاحب البشرية في مراحلها المختلفة كانت الأسرة من أكثر النظم الاجتماعية تأثيراً وتأثراً بما حدث من تغيرات.
وسوف أقوم في هذا الملخص بعرض أبعاد البناء الاجتماعي للأسرة، وذلك من خلال سته فصول كالتالي:
الفصل الأول: يتناول موضوع الزواج باعتباره بداية لتكوين البناء الأسري.
الفصل الثاني: يتناول نظام القرابة والأسرة.
الفصل الثالث: يتناول المداخل النظرية لدراسة الأسرة.
الفصل الرابع: يتناول تغير البناء الاجتماعي للأسرة من خلال رؤى مختلفة.
الفصل الخامس: يتناول التحضر والبناء الاجتماعي للأسرة.
الفصل السادس: يعرض لعدد من الدراسات التي تتناول واقع الأسرة العربية وتغيرها.
وفيما يلي عرض تلخيصي لهذه الفصول...
الفصل الأول : الزواج والأسـرة
مفهوم الزواج:
من المعروف أن كلمة الزواج تدل عند معظم الناس على اتحاد رجل وامرأة على أساس الود المتبادل ويستمر هذا الاتحاد مدى الحياة.
وهذا المعنى ليس هو مدلول المفهوم عند دارس الحياة البدائية الذي يعني ذلك المفهوم عندهم، اتحاد دائم أو غير دائم بين الذكر والأنثى يستمر في الفترة ما قبل ولادة الأطفال، إلى الوقت الذي يتمكن فيه الطفل أن يعتمد على نفسه في قضاء حاجاته، ومن وجهة النظر هذه يصبح الزواج وظيفة بيولوجية ووسيلة لبقاء النوع.
وإذا كانت هذه هي المهمة الأساسية للزواج، فعندئذ فإنه يكون بمعنى التزاوج الذي لا يقتصر على البشر فقط ولكنه ينتشر بين أنواع كثيرة من الحيوانات. فلابد أن نوضح الفارق بين الزواج والتزاوج، فإن كان كلاهما يشتركان في كونهما وسيلة لإشباع الدافع الجنسي. فإن الرغبة الجنسية لا يمكن أن تفسر الزواج طالما أنها رغبة تجيء وتذهب.
يرى معظم الأنثربولوجيين، أن التفسير الحقيقي لأصل الزواج يعود إلى عدم قدرة النسل البشري على إعالة نفسه، مما يتطلب عناية الوالدين لمدة طويلة من الزمن.
ومن ثم فقد كان عدم قدرة الأطفال على العناية بأنفسهم هو السبب الأول في اتحاد الذكر والأنثى اتحاداً دائماً، ومن هنا يمكننا أن نصل إلى حقيقة مؤداها أن الأسرة هي الأصل الحقيقي للزواج وليس الزواج هو أصل الأسرة.
ومن هذا نجد أن الحيوان يعاشر والإنسان يتزوج، وفي هذا التمييز نجد أن المعاشرة أمر بيولوجي، في حين أن الزواج أمر اجتماعي يعتمد على دعامتين:
أولاً- الشرعية:
وهو معيار سلبي محدد، وجامد، لا اجتهاد فيه فشروط الشرعية محدودة بدقة، سواء مستهلة من تشريع سماوي، أو كانت من قانون وضعي.
ومن خلال تطبيق هذه القواعد يتبين شرعية الزواج من عدم شرعيته.
ثانياً- الاستمرار في العلاقة الزوجية:
وذلك باعتبار أن الاستمرار هو أهم أركان العلاقة الزوجية بعد شرعيتها، وتبدأ العلاقة الزوجية بإشهار هذا الزواج سواء كان الإشهار رسمياً أو غير رسمي.
وفي ذات الوقت لا يمكن اعتبار شرط الاستمرار في علاقة الزواج استبعاداً لاحتمال إنهاء العلاقة الزواجية، في حالة عدم التوفيق، كذلك أيضاً فإن الاعتماد على الشرعية والاستمرار لا ينفي أو يستبعد اشتراك طرفي الزواج "الزوج والزوجة" في تربية أطفالهم.
وعلى ذلك فهناك عديد من التعريفات للزواج، تدور حول هذه النواحي فيعرف الزواج بأنه تزاوج منظم بين الرجال والنساء.
وثمة تعريف آخر للزواج يرى أن الزواج، اتحاد جنسي بين الرجل والمرأة، اتحاد يعترف به المجتمع بواسطة إقامة حفل خاص، ويتضمن الزواج حقوقاً وواجبات لا للشريكين اللذين يقومان عليه وحدهما، ولكن للأبناء الذين ينتجهم هذا الزواج أيضاً.
ثم يرى آخر أن الزواج ارتباط جنسي رسمي دائم لعدد من الرجال وعدد من النساء وما يترتب على هذا الارتباط من حقوق وواجبات، وتختلف أشكال الزواج بنفس الطريقة التي تختلف بها أنماط البناء الأسري وقد عرفت البشرية أشكال أربعة من الزواج من حيث عدد الأزواج والزوجات:
1- نظام تعدد الأزواج Polyandry:
وهو وجود أكثر من زوج لزوجة واحدة. وهو نظام نادر الوجود، وقد وجد هذا النظام عند قبائل التودا في جنوب الهند حيث يسود نظام وأد البنات.
2- نظام تعدد الزوجات:
أي زواج رجل بامرأتين أو أكثر، وقد عُرف هذا النظام في فترات عديدة من تاريخ البشرية، وفي أماكن متعددة. ومع مجيء الإسلام أقر هذا النظام الذي كان موجوداً عند العرب وقد حدده بألا يزيد عن أربعة.
3- نظام وحدانية الزوج والزوجة:
ظل هذا النوع من أكثر أنظمة الزواج شيوعاً، وإن شئنا القول بأنه النظام السائد عبر الزمان، وفي شتى بقاع المعمورة.
4- نظام زواج جماعة من الرجال بجماعة من النساء:
وهذا نظام نادر أيضاً كنظام تعدد الأزواج ووحدانية الزوجة.
شرعية الزواج وتحريم الزنا بالمحارم:
يعتبر الزواج، من أكثر الظواهر الاجتماعية التي تستند في أحكامها وضوابطها إلى الدين، سواء كان سماوياً أو وضعياً، ومن أكثر الأمور ارتباطاً بنظام الزواج التي ترتكز عليها شرعيته نظام الزنا بالمحارم. فقد عرفت البشرية على اختلاف ثقافاتها أحكاماً تمنع الزواج بين بعض فئات الأقارب.
وفي مسألة تفسير نظم الزنا بالمحارم لا يمكننا أن نجزم بالطبيعة الثقافية لأصول هذه الأحكام. فنجد بعض الثقافات تسمح بزواج أقارب وتمنع أخرى.
وباختلاف الثقافات تختلف نظم تحريم الزنا بالمحارم، ولكن هناك قاعدة عامة تجمع بين جميع الثقافات في هذا التحريم، وتكاد تصدق صدقاً عاماً. وهي تحريم الزواج بين الآباء وأبنائهم والأخوة والأخوات. أي داخل الأسرة النووية بمفهومها المعاصر.
أما بالنسبة للمجتمعات الإسلامية فقد حدد القرآن الكريم من يحرم منهن الزواج تحريماً قطعياً، ومن يحرم الزواج منهم تحريماً مؤقتاً. وهن ثلاثة أقسام تحريم بالنسبة، تحريم بالرضاعة، تحريم المصاهرة.
ومن المعروف أن الأديان السماوية الثلاث قد حددت بوضوح من يحرم الزواج منهم أبدياً أو مؤقتاً. ويأخذ أصحاب هذه الديانات هذه القواعد مسلم بها دون البحث الاجتماعي للوقوف على أسباب التحريم، ومن ثم فإننا نجد الدين يعد من أولى الركائز التي يستند إليها نظام تحريم الزنا بالمحارم.
ومع هذا فإننا نجد بعض التفسيرات السيكولوجية لنظم تحريم الزنا بالمحرم عند الثقافات المختلفة للبشرية، منها من تعرض لانتقادات كثيرة مثل الذين يستندون على نظريات فرويد وأتباعه، ومنها من لاقى قبولاً، وهوالتفسيرالسيكوسوسيولوجي، إذ يؤكد أصحاب هذا الاتجاه أن الطبيعة السيكولوجية لروابط القرابة تمنح هذه الروابط طبيعية لا جنسية.
وفي الحقيقة أنه للوقوف على تفسير لهذه الظاهرة لا يجب الوقوف عند عامل واحد وكذلك فإن العوامل السيكولوجية تغمض الطرف عن طبيعة الظواهر الاجتماعية، وإنما من المحتمل أن تلك القواعد قد نشأت لعوامل اجتماعية وسيكولوجية وبيولوجية مجتمعة.
وفي ختام هذه الفقرات نقول بأن نظام الزنا بالمحارم هو ظاهرة عالمية شاملة كل الشمول. ولا يمكن فهمها إذا فكرنا فيها في ضوء تحريم العلاقات الجنسية بين الأب والبنت والأم والابن والأخ والأخت (أو بعض فئات أبناء العمومة والخئولة) أي أننا يجب أن نتصور الموقف الاجتماعي الأساسي الذي يكمن وراء هذا النظام والذي لا يخرج في العادة عن المتغيرات الثلاث السابقة المتغير السوسيولوجي والمتغير البيولوجي والمتغير السيكولوجي.
الاختيار للزواج:
يعد هذا الموضوع من الموضوعات التي لها صلة وثيقة بنظام الزواج، فعند تناوله من الناحية السوسيولوجية نجد أنه شديد الارتباط بنمط الأسرة والبناء الاجتماعي لها. فإذا كان الزواج يعد المدخل الرسمي لتكوين أسرة من الوجهة الشرعية الاجتماعية، وإذا كان الاختيار للزواج بدوره هو المرحلة الأولى المهيأة للمراحل الأخرى، التي تمر بها الأسرة خلال تشكلها وانبثاقها للوجود كشريحة رسمية من شرائح المجتمع المعترف بها فإن إخضاع عملية الاختيار للزواج للتحليل والفحص العلمي من الأمور الأساسية في دراسة البناء الاجتماعي للأسرة.
نظريات الاختيار للزواج:
إن سوء الاختيار للزواج قد يؤدي في النهاية إلى ظاهرة الطلاق، ومن ثم فإننا سنعرض لنظريات الاختيار للزواج، من جانبين:
1- النظريات النفسية في الاختيار للزواج.
2- النظريات الاجتماعية والثقافية في الاختيار للزواج.
أولاً: النظريات النفسية:
– نظرية المعيار Norm theory:
تقوم هذه النظرية على العلاقة بين المتغيرات، وترجع إلى كاتز Katz وهيل Hill وقد ذهبا في نظريتهما إلى أن "الزواج معياري"، واعتبرا هذه المقولة افتراض بدأ منه تنظيرهما. واستنبطا منه قضايا أكثر تحديداً حول كيفية أن العوامل المعيارية تؤثر على اختيار القرين.
وقد عرف "هومانز" المعيار، على أنه الفكرة التي توجد في عقل أفراد الجماعة، وهذه الفكرة على شكل عبارة تحدد ما يجب على الأفراد الإتيان به، وما يتوقع أن يفعلوه تحت ظروف معينة.
وقد صاغ "كاتز و"هيل" الفكرة النظرية في عدد من القضايا العامة واستنبطا منها عدداً من القضايا المحددة، فمن القضايا العامة التي تؤثر على الاختيار في الزواج:
المعايير المتعلقة بالسلوك الإنساني وكذلك المعايير الثقافية، أما القضايا المحددة فهي تدور حول المعايير الخاصة بالدين والعمر والمكانة الاجتماعية، حيث أكدت الدراسات الواقعية أن المعايير المتعلقة باختيار الشريك سواء ما هو خاص منها بالدين أو العمر أو المكانة الاجتماعية يؤدي دوراً أساسياً في عملية اختيار القرين.
– نظرية الحاجة المكملة Complementary Need theory:
تركز هذه النظرية على حالة التكميل على أنه ينتج عنها اختيار الشريك وغياب هذه الحالة لا يحقق الاختيار في الزواج، وقد عرض وينش Winch هذه النظرية في شكل مجموعة من القضايا الصريحة التي تحدد جوانب محددة من الواقع وقد لخصها وينش فيما يلي:
1- في عملية الاختيار للزواج يسعى كل فرد لاختيار الشريك المناسب الذي يمده بأعلى حد من حاجة الإشباع والرضا.
2- هناك مجموعة من الحاجات فمثلاً الشخص (أ) له حاجات لتكن (ن) والشخص (ب) له حاجات ولتكن (هـ). (أ) يسلك سلوكاً معيناً بحيث يحقق الحاجات (هـ) بالنسبة لـ(ب) وكذلك الحاجات (ن) بالنسبة له.
3- الحاجات (ن، هـ) للشخصين (أ، ب) يمكن أن يقال أنهما يكمل بعضهما البعض في الحالتين:
أ- النمط التكميلي الأول وفيه تكون الحاجات (ن، هـ) متماثلة.
ب- النمط التكميلي الثاني وتكون الحاجات (ن، هـ) مختلفة وفي هذه الحالة تحدث تنبؤات معينة في اختيار كل من الحاجات (ن، هـ) وتتضمن هذه النظرية مفهومين أساسين هما (الحاجة والحاجة المتممة أو المكملة).
ولقد تعرضت نظرية وينش للنقد من (رسو، ليفنجر، ثارب)، وتأثر وينش بنقد "ثارب" وطبع عام 1967 ما اسماه نظرة الآخرين أشار فيه إلى تعديل نظريته السابقة، ويتمثل التعديل في أنه أدمج آراء ثارب في نظريته وخرج علينا بقضية أكثر تعقيداً، وهي الحاجة المكملة وتكميل توقعات الدور يتفاعلان في شكل جمعي في التأثير على عملية اختيار الشريك.
ثانياً: النظريات الاجتماعية والثقافية:
– نظرية التجانس:
ترتكز هذه النظرية على فكرة أن الشبيه يتزوج بشبيهه، وأن التجانس هو الذي يفسر اختيار الناس بعضهم لبعض كشركاء في الزواج، أي تشابه وتجانس في الخصائص الاجتماعية العامة والسمات الجسمية، أي يكون هناك تشابه بين الشريكين في الدين، والجنس، والمستوى الاجتماعي، والاقتصادي وفي السن، والتعليم، والحالة الزواجية.
ويمكن تعريف الزواج المتجانس بأنه ميل الناس شعورياً ولا شعورياً لاختيار شريك تتشابه خصائصه مع خصائصهم.
– نظرية التجاور المكاني (التقارب المكاني):
يطلق على هذه النظرية المجال المكاني، الذي يستطيع الفرد أن يختار منه. وهو ما يسمى الفرصة الإيكولوجية للاختيار، فالناس يحبون ويختارون فقط ممن تسمح الفرصة بالتواصل والاختلاط بهم، سواء كان هذا في مجال المسكن أو الدراسة أو العمل.
– نظرية القيمـة:
ترجع هذه النظرية إلى "كوفر" و"شلزج"، حيث تتبلور تلك النظرية في فكرة القيم الشخصية وارتباطها بالاحتيار للزواج. ويربط "كومز" نظريته بنظرية التجانس فيقول: "إنه لما كانت القيم تكتسب بواسطة الخبرة الاجتماعية لذلك كان من الأرجح أن الأشخاص الذين يتشابهون من حيث بيئاتهم، أو خلفياتهم الاجتماعية، يتشابهون أيضاً في حكمهم على ما له قيمة بالنسبة لهم، فمن المرجح أن يكون الأشخاص الذين يشتركون في الانتماء إلى طائفة دينية معينة على سبيل المثال، متجانسين في آراءهم الدينية".
وفي نهاية هذا الفصل نعرض لأهم النقاط التي تؤدي إلى التوافق الزواجي، أو التوتر في العلاقة الزوجية:
أولاً- أسباب التوافق الزواجي:
يقول جورج لندبرج: "إننا نستطيع أن نصل إلى عدد من التعميمات، نتيجة للدراسات التي أجريت على السعادة الزوجية، والتبرم بالحياة الاجتماعية التي تحدد اتجاهات التوافق وعوامله في الزواج والأسرة". وكذلك ذكر كرك باتريك العديد من العوامل التي ترتبط بالتوافق الزواجي قبل الزواج. ونحن نختار من كل هذه العوامل ما يلي:
1- الطفل الذي ينشأ في بيت سعيد ينجح في حياته الزوجية.
2- التوافق أثناء فترة الخطوبة والرغبة الطبيعية في الزواج.
3- ليس هناك علاقة وثيقة بين وجود الأطفال وعدم وجودهم والتوافق الزواجي.
4- ترتبط القدرة على الأخذ والعطاء في المسائل العاطفية بالسعادة الزوجية.
5- يرتبط النجاح الزواجي بمدى تقدير الفرد لمسائل الدين والقيم الرفيعة.
6- تقدير الزوجة لجهود زوجها في توفير الاستقرار والأمن الاقتصادي للأسرة إلى جانب تقدير الزوج لعمل زوجته في المنزل يرتبط ارتباطاً قوياً بالسعادة الزوجية.
ثانياً: أسباب التوتر في العلاقة الزوجية:
حيث يحدث التوتر بصفة عامة نتيجة للعوامل التالية:
1- عوامل وراثية ونفسية: وهي العوامل الخاصة بنشأة الطفل في مراحل حياته من خلال تفاعل بينه وبين أفراد أسرته.
2- اختلاف الأنماط الثقافية من حيث العادات والأخلاق والاتجاهات.
3- تغير الأدوار الاجتماعية التي تعود عليها الزوجان.
4- العوامل الاقتصادية واختلاف اتجاهات الزوجين الاقتصادية.
5- التوتر العاطفي الجنسي.
الفصل الثاني : القرابة والبناء الاجتماعي للأسرة
مفهوم القرابة ونظمها:
ظاهرة القرابة، هي ظاهرة عامة بعموم البشر، فلا يخلو مجتمع من وجود نسق معين للقرابة، وكذلك تحتل القرابة أهمية خاصة في المجتمعات البدائية، إذ أنها العامل الأساسي في تحقيق الوحدة الاجتماعية، وهي الإطار الذي من خلاله يعهد المجتمع إلى الفرد بوظائف اقتصادية، وسياسية، ويمنحه حقوقه ويطالبه بتأدية واجباته، ويمده بالمساعدات المختلفة.
ويرجع "بوتومور" ظهور أنساق القرابة إلى نظام تحريم الزواج من المحارم، وما تبع ذلك من أن كل فرد أصبح عضواً في أسرتين نوويتين، أسرة الإنجاب وأسرة التوجيه وتبع ذلك تشعب القرابة وتفرعها وأصبح لكل فرد قرابة من الدرجة الأولى من الأسر النووية التي ينتمي إليها، وخارج نطاق هذه الأسر يجد الفرد ثلاثة وثلاثين نمطاً من القرابة من الدرجة الثانية، ومائة وواحد وخمسين نمطاً من قرابة الدرجة الثالثة.
نظم القرابة:
أولاً- نظم القرابة ذات الخط الواحد:
وهي الانتساب إلى الأب والأم. ومع الجدل القائم بين أسبقية الانتساب إلى الأب أو إلى الأم، فإن الشواهد المتاحة حالياً توضح أن سبق أي من النظامين ليس عاماً في كل المجتمعات، بل إن هناك المجتمعات التي سبق فيها الانتساب للأم، في حين أن النظام الأبوي يكون الأقدم عهداً في مجتمعات أخرى، ويتوقف تتابع النظامين وغيرهما من النظم على التطور الاقتصادي للمجتمع.
والجدير بالذكر أن نظم القرابة الأموية آخذه في الانقراض على مستوى العالم كله، وفكرة نظام القرابة ذي الخط الواحد يبتعد عن أي واقع اجتماعي، حيث تكون هناك مشاركة فعلية من كلا الوالدين في كل ما يتعلق بالأبناء.
ثانياً- نظام الانتساب الثنائي:
وهو النظام المعروف في كل المجتمعات اليوم وأصبح مثال له شجرة العائلة التي تتخذ شكلاً متناسقاً بحسب الانتساب إلى الوالدين في نفس الوقت.
ويكون هذا النظام أكثر وضوحاً في المجتمعات الشرقية حيث تحتفظ المرأة بعد زواجها بنسبها، في حين أنه في المجتمعات الغربية تنتسب الزوجة إلى أسرة زوجها (اللقب) وإن كان "رينيه كوينج" يرى أن المجتمعات الغربية أيضاً قد غيرت من هذا التقليد حيث تحتفظ المرأة بعد الزواج بلقب عائلتها ولقب عائلة زوجها في لقب واحد مركب.
ثالثاً- نظم القرابة المتنوعة:
وهي انتساب الذكور لأسلافهم الذكور وانتساب الإناث لأسلافهم الإناث وهناك صورة عكسية للنظام السابق حيث ينتسب الذكور إلى أسلافهم من الإناث والإناث إلى أسلافهم الذكور (الرجال).
رابعاً: القرابة الخطية (المباشرة) والقرابة المجانية (غير المباشرة):
القرابة الخطية: هي في الغالب عبارة عن أقارب دمويين من خط مباشر أعلى كالأب، والأم وأسفل كالابن، والابنة.
أما القرابة المجانية: فيمكن فيها الانتماء إلى نفس الجيل أو جيل سابق أو لاحق ولا تقوم بينهم علاقة التسلسل النسبي المباشر فالشخص ليس سلفاً أو خلقاً لأخيه أو لأخته على الرغم من انتمائه إلى نفس السلف.
خامساً: الأصهار:
الصهر: هو زوج الأخت أو شقيق الزوجة، وطبيعي أن تكون علاقة اجتماعية بين الأصهار التي تتبلور في شكل علاقة قرابية.
وتختلف الثقافات واللغات في تحديد الأصهار، ونظراً للاختلافات والتشعبات التي تحتوي على مصطلحات القرابة فإننا نورد بعض الأسس التي يمكن أن تكون نموذجاً مفيداً في تصنيف القرابة كما أوضحها "كروبر" وهي:
1- أساس الجيل: فالملاحظ على نظام القرابة في المجتمعات العربية أن جميع مصطلحات القرابة تقتصر على جيل واحد (ما عدا ابن العم أو بنت العم Causin).
2- أساس تصنيف الأقارب من نفس الجيل لفروق العمر وشعب الهنافا هو مثال على ذلك حيث يخاطب الشخص إخوته الكبار بمصطلح معين ويخاطب إخوته الصغار بمصطلح آخر مختلف.
3- الفروق بين الأقارب الخطيين والأقارب المجانبيين (غير المباشرين).
4- اختلاف نوع القريب ذكر أم أنثى.
5- نوع المتكلم الذي يخاطب أقاربه، حيث تختلف مصطلحات القرابة من مجتمعات لأخرى.
6- الفروق في نوع القريب الذي يمثل همزة الوصل في القرابة.
7- تميز القرابة الدموية عن قرابة المصاهرة والقرابة الدموية تضم أولئك الذين ينتمون إلى أسرة الشخص نفسه وأسرة أجداده وأحفاده أما قرابة المصاهرة فتضم أولئك الأقارب من خلال الزوج.
8- الفروق في المكانة أو الوظائف المعيشية للشخص الذي تقوم علاقة القرابة من خلاله.
وسواء كانت الأسرة أبوية أو أمومية فإنها ترتبط بعلاقات قرابية وصلة أبناء عمومة وخئولة طبقاً للنسق التقليدي للأسرة، وهذه العلاقات حقيقية تاريخية تخضع للتفسير وينبثق شكل أو بناء العلاقات القرابية من أساليب السلوك الجمعي والسنن الاجتماعية السائدة التي تميزها في أي مجتمع.
وقد قام العديد من العلماء أمثال (ميردوك، وبارسونز، وبوسارد، وفرنليش) بدراسة العلاقات القرابية على أسس وتحليلات مختلفة. نخلص من هذه الدراسات بحقائق أهمها:
– أن كل فرد بالغ عادة ما ينتمي إلى أسرتين (الموجهة والتناسلية) فهو ابن أو ابنة وأخ أو أخت في الأولى، وزوج أو زوجة وأب أو أم في الثانية.
– يؤدي عضوية الفرد في أسرتين نوويتين إلى نشوء أنساق القرابة، وكل شخص هو حلقة بين أعضاء أسرته الموجهة وأعضاء أسرته التناسلية، هذا فضلاً عن تناسل فروع هذه الحلقات يربط أعداد من الأفراد بعضهم ببعض عن طريق الروابط القرابية.
– يطلق اصطلاح الأقارب الأصليين أو أقارب الدرجة الأولى Primary relatives على المنتمين إلى نفس الأسرة النووية للفرد(والده– والدته- أخوته- أخواته) في أسرته الموجهة و(الزوج- الزوجة- الابن- الابنة) في أسرته التناسلية وسيكون لكل منهم أقاربهم الأصليين الذين لا يمكن أن ينتسبوا إلى الأقارب الأصليين للشخص ذاته وهذا ما يطلق عليه الأقارب الثانويين Secondary relatives وهم يصلون إلى 33 نمطاً.
– هناك أقارب من الدرجة الثالثة وأقارب من الدرجة الرابعة وأقارب من الدرجة الخامسة ويطلق على هؤلاء الأقارب بعد الدرجة الثالثة أقارب الكلالة.
مصطلحات القرابة Kinship term melody:
يكاد يجمع العلماء على أن مصطلحات القرابة في الحقيقة مصطلحات تشير إلى المنزلة الاجتماعية فكلمة أب أو أم تشير إلى رابطة الدم الحقيقية وإلى المنزلة الاجتماعية.
وتنقسم مصطلحات القرابة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- مصطلحات نوعية ومحددة تعرف باسم Specific terms: وتستخدم لأشخاص معينين بالذات لأغلب أعضاء أسرة (كالأب- الأم- الأخ- الأخت- الزوج- الزوجة- الابن- الابنة)، وتعتبر هذه المصطلحات هي العناصر الأولية التي يقوم عليها كل نسق للمصطلحات القرابية.
2- مصطلحات وصفية: وهي إضافة مصطلحات نوعية أو محددة إحداها إلى الآخر ويصف المصطلح درجة القرابة، وهي النظام السائد في المجتمعات العربية.
3- مصطلحات تصنيفية: في هذا النوع يستخدم مصطلح القرابة الواحد من المصطلحات النوعية لأشخاص يرتبطون في حقيقة الأمر بروابط قرابية مختلفة بالشخص الذي يستخدم هذا المصطلح، ويشيع في النوع في القبائل البدائية.
القرابة والبناء الاجتماعي للأسرة:
هناك العديد من الدراسات التي حاولت فهم العلاقة القرابية في ضوء الأدوار الوظيفية بناء على تصورات نظرية مختلفة مثل:
• بارسونز: الذي أشار بتحفظ إلى إمكانية اتخاذ تحليل المصطلحات القرابية كمنهج له فائدة في الدراسة الوظيفية للبناء الاجتماعي.
• بوسارد وفريلتش: حيث نجد أنهما قدما تحليلاً للعلاقات القرابية بناء على العلاقة المثلثية الكائنة بين ثلاث أفراد فأكثر في جماعة الأسرة.
والجدير بالذكر أن مضمون العلاقات الأسرية والقرابية هي في جوهرها نوع من إعادة التفسير Reenterpretation في صورة مصطلحات اجتماعية للوقائع الخاصة بالتناسل والاتصال الجنسي المنظم وتتراكب هذه السلسلة للعلاقات الأسرية والقوانين الخاصة بالسلوك الذي تقره نظم الإقامة والاقتصاد والسياسة والقانون واللغة.
الفصل الثالث : المداخل النظرية لدراسة الأسرة
تاريخ الدراسات الأسرية:
عند دراسة تاريخ تطور الدراسات الأسرية نجد أنه كان انعكاساً لتطور الفكر في كل مرحلة، ولتطور الدراسات السوسيولوجية بشكل خاص.
وعموماً، يمكن أن نقسم تاريخ الدراسات الأسرية إلى أربعة مراحل مرت بها هي:
• المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل البحث: وتمتد حتى منتصف القرن التاسع عشر. وتضم هذه المرحلة الفكر العاطفي والخرافي.
• المرحلة الثانية: الدارونية الاجتماعية: تمتد هذه المرحلة من منتصف القرن التاسع عشر حتى بداية العشرين ولقد تأثرت دراسات الأسرة بمناخ الدارونية.
• المرحلة الثالثة: والتي تعد مرحلة نشأة العلم، فقد امتدت منذ بداية القرن العشرين حتى منتصفه، ولعل أكثر ما يميز هذه المرحلة هو الانتقال من الاه
بماضي الأسرة إلى حاضرها.
• المرحلة الرابعة: فتمتد من عام 1950 حتى وقتنا الحاضر، ومن أكثر ما يميز هذه المرحلة هو الاه
بالنظرية وتأييد الدراسات الكمية بطريقة أكثر منهجية.
الصعوبات التي تواجه دراسة الأسرة:
هناك العديد من الصعوبات والعقبات التي تواجه دراسة الأسرة من أهمها:
1- مقاومة الأسر للدراسة.
2- الافتقار إلى الأدوات المناسبة للدراسة.
3- عدم وضوح المفاهيم مما يؤدي إلى التعارض وعدم الاتفاق بين العلماء.
4- ندرة الباحثين وإمكانية الوقت المتاحة لهم.
المداخل السوسيولوجية لدراسة الأسرة:
لقد برزت خمسة مداخل سوسيولوجية في دراسة الأسرة اتفقت في أنها إطارات نظرية لدراسة الأسرة وتباينت في تناولها للموضوع، وهي كما يلي:
1- دراسة الأسرة كنظام:
يعد هذا المدخل من أقدم المداخل في الظهور واتصف في البداية باتساع نطاقه واتجاهه الوصفي والأخلاقي وقد شاع استخدامه عند الأنثروبولوجيين. وكان يدور اه
ه حول أصل النظام العائلي وتطوره وإجراء المقارنات عبر المكان والزمان وكانت أفكار التحسن والتقدم ذات تأثير كبير عليه.
وقد مكن استخدام هذا المنهج في دراسة الأسرة من التحليل الثقافي والتاريخي لنظم الأسرة في المجتمعات المختلفة وذلك فيما يتعلق بالسمات المشتركة في الأسرة في كافة أنحاء العالم، وباستخدام هذا المنهج فقد أتيحت الوسيلة المناسبة لتفسير التغيرات التاريخية في الأسرة وربطها بالتغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمعات.
وبناء على ذلك فإن المدخل النظامي أصبح في الوقت الحالي مدخل مقارن على أساس تاريخي.
وفي إيجاز يمكن أن نقول بأن هذا المدخل يركز على النقاط التالية عند استخدامه في دراسة الأسرة:
• لدراسات الوصفية المقارنة لانساق مختلفة من الأسر.
• راسة الوظيفة القديمة والحديثة والمتغيرة في الأسرة.
• حليل الأعمال الداخلية في الأسرة وتغير العلاقات فيها.
2- لمدخل التفاعلي:
لقد تطور هذا الاتجاه في ميدان علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، بدأ حوالي منتصف العشرينات من هذا القرن عندما وصف أرنست بورجي الذي كان من أتباع جورج هوبرت ميد وكان مؤمناً متحمساً للتفاعل، وصف الأسرة بأنها وحدة من الشخصيات المتفاعلة. ويهدف هذا المدخل إلى تفسير ظواهر الأسرة في ضوء العمليات الداخلية لأداء الدور وعلاقات المركز ومشكلات الاتصال واتخاذ القرارات، وإرجاع الضغوط، وما إلى ذلك. ولكن هذا الاتجاه لم يتناول علاقة الأسرة بوصفها وحدة في المجتمع وبين النظم الأخرى.
3- دخل دراسة الموقف:
هناك تقارب شديد بين اتجاه دراسة الموقف والاتجاه التفاعلي إلا أن اتجاه دراسة الموقف ينظر إلى الأسرة كموقف اجتماعي يؤثر في السلوك أي كمجموعة موحدة من المثيرات الخارجية بالنسبة للأفراد الذين تؤثر عليهم.
ويفيد هذا المنهج الموقف المباشر للفرد أو الأسرة كوحدة للدراسة، كما يعتمد في الدراسة على تحديد الأشكال البنائية للأسرة ونوعية العلاقات الأسرية وأنساقها والعلاقات البنائية في الجماعة، كما لا يمانع أن تكون بؤرة الدراسة خارج الأسرة حتى يتسنى تحليل وحدة الأسر في علاقتها بالهيئات والوحدات الخارجية.
ويقوم هذا المدخل على مجموعة من الافتراضات الأساسية هي:
– ن الموقف الاجتماعي يمكن دراسته كموضوع مستقل عن الواقع.
– ن الوحدة الأساسية التي تشكل جوهر الموقف الاجتماعي مرتبطة بكائن حي معين وأن أي تغير في الوحدة الأساسية يؤدي إلى تغير في الجوهر وبالتالي للموقف الكلي.
– ن المواقف الاجتماعية ليست فقط دائمة التغير ولكنها أيضاً تتعدل وفقاً لهذا التغير.
– ن كل موقف اجتماعي هو نتاج لتفاعل عناصر اجتماعية وفيزيقية وثقافية.
– ن السلوك هو وظيفة للموقف ورغم أنه لا يكون سلوكاً دائماً إلا أنه يتوافق مع الموقف.
4- لمدخل البنائي الوظيفي:
وهو الاتجاه الذي يدرس الأسرة كنسق اجتماعي.
ويعرف النسق: "أنه وحدتان أو أكثر مترابطة بحيث إذا حدث تغير في أي وحدة منها سيتبع ذلك بالضرورة تغير في حالة الوحدة الأخرى مما يتبعه أيضاً تغيرات في الوحدات التالية". ولابد لتكوين النسق أن يتحقق التفاعل بين وحداته فالنسق الاجتماعي هو أي اتحاد أو ترابط بين عضوين أو أكثر ويكون التمايز بين واحد أو أكثر من الأعضاء نسقاً فرعياً.
ويعتمد هذا المدخل على عدة افتراضات أساسية هي:
– ن الأسرة المقصودة بالدراسة في هذا المدخل نووية أو زواجية مع وجود أطفال سواء بالميلاد أو بالتبني.
– ن الأسرة والأفراد يتغيرون وينمون بطرق مختلفة تبعاً لعملية المعيشة ووفقاً لمؤثرات الوسط الاجتماعي.
– ن التركيز الأساسي يكون على الأفراد من خلال أسرهم رغم أهمية النسق الأسري ككل لما يفرضه من ضغوط معينة على أفراده واعتماده على أفعال أعضاءه ورد فعلهم.
–كل أسرة تعتبر وحدة فريدة من حيث تركيبها العمري والأدوار والتوقعات المتبادلة.
الفصل الرابع : ر البناء الاجتماعي للأسرة – رؤى مختلفة
اختلف العلماء في العوامل التي أدت إلى عملية تغير البناء الاجتماعي للأسرة، فذهب كثير من علماء الاجتماع إلى أن عملية التغير الأسري ترجع إلى أسباب وعوامل خارجية مع تجاهل دور الأسرة في عملية التغير وأن التغير الحادث فيها هو رد فعل للتغير في العوامل الأخرى، وأن المتغيرات الأساسية المتسببة في التغير الأسري تتمثل في التصنيع والتحضر وما يصاحبها من عمليات اجتماعية، أي أن الأسرة متغير تابع. ومنهم من ذهب إلى ربط المتغير الأسري بالتغيرات التي تصيب القيم أو روح المجتمع.
وكذلك ذهب البعض من العلماء إلى أن التغير الأسري يرجع إلى عوامل مادية (ماركس، واجبرن)، ومنهم من أرجعه إلى جوانب عقلية (ماكيس فبر، وكونت).
يمكن أن نستخلص من الدراسات المختلفة للعلماء أن العوامل الخارجية والعوامل الداخلية للتغير في الأسرة تعمل بشكل مترابط وأن الفصل بينها هو فصل نظري بغرض التحليل والإجراءات المنهجية.
وتتمثل ميكانزمات التغير في الأسرة في:
1- ميكانزمات أو عوامل داخلية ذات صلة قهرية مثل الموت والولادة وكبر السن.
2- ميكانزمات داخلية مكتسبة مثل التعليم، الزواج، المهنة.
3- ميكانزمات خارجيه وتشمل التغيرات التي تصيب الأنساق الفرعية الأخرى في المجتمع وذلك بفعل عمليات واسعة مثل التحضر وتمارس هذه التغيرات تأثيرها من خلال ما تؤدي إليه من تغير في مظاهر الحياة الأسرية وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
وتمارس هذه العوامل تأثيرها من خلال ما تؤدي إليه من التغيرات التالية:
– التغيرات التي تصيب القواعد الرئيسية المحددة لنمط البناء الأسري وما تؤدي إليه من تغيرات في مظاهر الحياة الأسرية وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
– التغيرات التي تحدث في المحيط الاجتماعي الشامل وخاصة فيما يتعلق بالجوانب الثقافية والمادية.
– التطورات التي تحدث في المجتمع الحضري نفسه كزيادة العدد وتقارب المساكن وابتعاد مكان العمل عن البيت واضطراد هذه العمليات باضطراد عملية التحضر مما يؤدي إلى تغيرات مصاحبة في النظم الاجتماعي بما فيها النظام الأسري.
الأسرة وعلاقتها بنسق القيم:
إن العلاقة بين النسق العام للقيم والأسرة من الأهمية بمكان في تحديد مجال النمط البنائي للأسرة في حالتي الثبات والتغير كذلك فإن نسق القيم يلعب دوره في درجة التحضر الكيفي لما تشكله هذه القيم من ضوابط وقيود على التأثيرات الصادرة عن التحضر وخاصة في تلك المجتمعات التي تلعب فيها القيم دوراً بارزاً في تشكيل حياة الناس في معظم جوانبها كالمجتمعات العربية.
تمتاز القيم الأساسية في المجتمع بقدر من الرسوخ والاستقرار ورغم وجود مرونة في هذه القيم في بعض المجتمعات إلا أنه يبقى قدراً من الاستقرار والثبات للقيم العامة عند معظم المجتمعات، أما عن علاقة الأسرة بهذا النسق القيمي فإن الأسرة تعد الوحدة الاجتماعية الصغرى التي تكون مسئولة عن زرع هذه القيم في أفرادها وهي عملية تتلاءم مع طبيعة الأسرة.
ويحدث التفاعل مع الأسرة النووية ونسق القيم من خلال ما يحدده نسق القيم من معايير ومستويات للسلوك الذي يتمثل في سلوك مرغوب فيه ويلعب الدين جزءاً هاماً في هذا الأمر. وتقبل الأسر هذا النسق وتقوم بنشأة أطفالها عليه.
وإذا كانت الأسرة تقدم إسهاماً للمجتمع بإلزامها لأفرادها قيماً معينة ففي ذات الوقت تقدم لنفسها ما يساند تماسكها.
وقد تنال القيم موافقة الأسرة ككل وقد تنال موافقة أعضاءها كأفراد وذلك داخل إطار النسق العام للقيم وبالقدر الذي تسلك منه الأسرة وفق نسق القيم وتصبح الأسرة بذلك قاعدة أو أساس متشابهة وهو التشابه الناتج عن اشتراك أفرادها في المعايير القيمية ذاتها فإن لم يتحقق هذا التطابق فإن الأسرة تأخذ طابعاً مختلفاً حيث تظهر محاولات للتعديل من تلك القيم.
الفصل الخامس : التحضر والبناء الاجتماعي للأسرة
إن التحضر لم يؤثر فقط على البناء الاجتماعي للأسرة بل إنه أدى أيضاً إلى تغير في وظائف الأسرة وإن كنا نتناول أثره على البناء فإننا نتناوله في فصل نظري ولكن في واقع الأمر يصعب الفصل بين البناء والوظيفة.
فلقد تغير بناء ووظيفة الأسرة بفعل عملية التحضر بجانبيها الكمي والكيفي، فمن خلال هذه العملية حدثت تغيرات عديدة في العلاقات الداخلية بين الأعضاء والأدوار والمكانات والسلطة والعلاقات الخارجية والقيم الأسرية.
علاقة التحضر بالشكل البنائي للأسرة:
لقد اختلف الباحثين في هذه العلاقة وتفسيرها منذ القدم فكانت آراءهم كما يلي:
• دور كايم، يرى: "أن الأسرة تتطور من أشكال أصغر فأصغر".
• التفسير التاريخي ينطلق من فرض مؤداه: "أن التتابع البنائي لتلك الأنماط الأسرية هو نتيجة تطور تاريخي في اتجاه واحد.
• بانوس بارديس يقول: "أن العبرانيين والإغريق والرومان القدماء والمسيحيين الأوائل لم يعرفوا سوى نمط واحد من أنماط الأسرة".
• علياء شكري تقول: "أن الأسرة الممتدة كانت قاصرة على الطبقات العليا أساساً أما الطبقات الدنيا كالأرقاء لم تكن محرومة من حق الزواج".
• بيرجس ولوك أشارا إلى: "أن الأسرة إنما تتطور وتتغير بتأثير عملية التحضر في اتجاه واحد.
• زميرمان يقرر: "أن الأسرة لا تتطور باتجاه واحد فقط لكن في عدة اتجاهات".
• تؤكد الدراسة الامبريقية وجهة النظر التي ترى أن التغير في الأسرة يحدث باتجاهات مختلفة ويتوقف ذلك على بعض الاعتبارات فيحدث اختلافاً في تغير الأسرة بفعل التحضر تبعاً للاختلاف النمطي للأسرة داخل المجتمع الواحد.
• بارسونز يرى: "أن الحياة الحضرية تتجه بالأسرة إلى النمط النووي المنعزل وذلك حتى تتلاءم مع ظروف الحياة الحضرية".
• رالف لنتون يقول: "أن أسرة المستقبل ستكون امتداداً مباشراً لاتجاهات وحالات الأسرة الحالية وذلك بعد انهيار الأسرة الممتدة".
هذا ويمكن القول بأن حجم الأسرة لا يتغير باتجاه واحد وشامل حتى داخل المجتمع الواحد حيث يظل هناك أكثر من نمط من الأسر يختلف فيها الحجم من نمط إلى آخر حسب المتغيرات المختلفة مثل المعتقدات الدينية والوضع الاقتصادي والظروف المهنية.
ومن خلال الدراسات العديدة التي قام بها الباحثون على مختلف البيئات والمجتمعات، يتضح لنا أن الروابط القرابية يمكنها أن تستمر في ظل تحضر الأسرة والتغيرات التي تحدث فيها ولكن المسألة لا تتمثل في استمرار هذه العلاقات والروابط أو انقطاعها وتوقفها ولكن الأمر يبدو أكثر واقعية إذ ما كانت هذه العلاقات من القوة والضعف في ظل التحضر.
كذلك فإن هناك اختلاف بين الباحثين في نسبة الحقائق الخاصة بالتغير في العلاقات القرابية ودور هذه العلاقات في عملية التحضر دعماً وإعاقة، ولكن الحقيقة الثابتة هي أن العلاقات القرابية تتأثر قطعاً بعملية التحضر وذلك بطريقة ما. غالباً ما تكون كتغير في الترابط القرابي ومؤشراته وليس تغير الترابط أو زواله.
ويجدر بنا الإشارة إلى بعض المقاييس أو المؤشرات التي استعملها بعض الاجتماعيين لكشف الترابط القرابي مع الأسر الممتدة:
1- اعتبار الأسرة الممتدة هي الجماعة المرجعية بالنسبة للأسر الزواجية الصغيرة.
2- اشتراك أعضاء الأسرة الممتدة (وهي الجماعة المرجعية) في النشاطات المختلفة.
3- تكرار زيارة الزوجين للأسرة.
4- تبادل المساعدات والهدايا بين أعضاء الأسرة الممتدة.
5- تبادل المراسلات مع أعضاء الأسرة الممتدة.
6- الشعور بالاغتراب عن الأسرة الممتدة كمؤشر لضعف الترابط القرابي.
ونستخلص من جميع الدراسات التي أجريت في مجال التحضر والبناء الاجتماعي للأسرة ما يلي:
• أنه يختلف البناء الاجتماعي للأسرة داخل المجتمع الواحد نفسه تبعاً لخصائص المصدر الأصلي للأسرة المتحضرة والخصائص الأسرية ذات العلاقة بالمكانة، والتعليم، والطبقة الاجتماعية، والاقتصادية، والدين، ويمكن إضافة خصائص المجتمع المحلي، أو محيط السكن لما له من أثر على تنميط البناء الاجتماعي للأسرة المتحضرة.
• أن التحضر يعمل على زيادة فاعلية العوامل الداخلية بدلاً من الضغوط الخارجية كميكانيزمات تدعم قوة التماسك داخل البناء الأسري.
الفصل السادس :الأسرة العربية وديناميات التغير – دراسة واقعية
نتناول في هذا الفصل عرض بعض الدراسات السابقة التي قمنا بانتقائها للاعتبارات الآتية:
• أنه أجريت على المجتمعات العربية والمجتمع المصري.
• أنها من أكثر الدراسات قرباً لموضوع الدراسة والقضايا المثارة فيه.
وسوف نعرض ملخصاً لهذه الدراسات وأهم النتائج التي توصلت إليها.
الدراسة الأولى: صراع القيم وآثاره في بناء الأسرة ووظائفها:
لقد كان الاتجاه الوظيفي هو الاتجاه النظري في هذه الدراسة للكشف عن الآثار المترتبة على صراع القيم في بناء الأسرة ووظائفها.
ولقد توصلت الدراسة لأهم النتائج التالية:
1- تتعدد صور صراع القيم ومظاهره ويتسع مداه في الحضر عن الريف ويزيد تباين المجتمع من الناحية المهنية والتعليمية والسكانية.
2- كل تغير يصاحبه أنماط جديدة من القيم وتتاح فرصة لصراعها مع الأنماط القديمة كما تظهر في التعليم وما ترتب عليه من تغير في بعض القيم المرتبطة بالمكانة الاجتماعية لبعض أعضاء الأسر ساعد على حدوث صراع بين القيم القديمة التي كانت تحدد المكانة الاجتماعية وفقاً للسن والجنس وبين القيم الجديدة التي تعتبر التعليم من محددات هذه المكانة. وقد اتضح هذا بجلاء في أسر الريف وأسر الحضر.
3- بالرغم من الشواهد القليلة التي تدعم احتمالات تأثير صراع القيم في الخلل الوظيفي للأسرة والذي ينتج عن تأثير هذا الصراع في العلاقات البنائية سواء بين أعضاء الأسرة أو بين الأسر فإن الشواهد لا تؤكد
اً أن لصراع القيم تأثيراً واضحاً في الوظائف الأسرية وذلك بسبب فصل المتغيرات الأخرى التي تؤثر في الوظائف الأسرية بل أن الدراسة أثبتت أن صراع القيم في العائلات الممتدة في الريف يساعد على تحقق التماسك البنائي بين مكونات العائلة الواحدة.
4- أن طبيعة البناء الاجتماعي لكل من القرية والمدينة تؤثر على مسارات تأثير القيم في الأسرة الريفية والحضرية.
الدراسة الثانية: أثر التغير الاجتماعي في البناء الاجتماعي للأسرة المصرية:
تناولت الدراسة التغير البنائي للأسرة المصرية في الريف والحضر وذلك من خلال تأثرها بمحددات التغير في نظم المجتمع الاقتصادية والسياسية والتعليمية ومشروعات تنمية المجتمع المحلي.
وكانت من أهم نتائج الدراسة ما يلي:
1- إن مقومات النوع والسن والإقامة والقرابة والعلاقات الإنتاجية من أهم الركائز لدراسة الملامح البنائية لمجتمع البحث.
2- مازالت العلاقة الزوجية في الريف تحاصرها سطوة التقاليد التي تفرض التميز بين الزوجين والتزام الزوجة بمعاملة الزوج من موقع أدنى.
3- يتميز نمط الإقامة في القرية بالنمط الأبوي أما نمط الإقامة الحضري فيتميز بنمط الإقامة الجديد أو المستقل.
4- اتضح ظهور مفهوم العائلية كنمط من أنماط العلاقات الأسرية في مجتمع القرية بصفة عامة.
5- استمرار الاتجاه نحو المصاهرة من الأقارب العصاميين في الريف وانحدار هذا الاتجاه في الحضر تحت وطأة ظروف الحياة الحضرية.
6- تبين أن المعوقات المتبادلة بين الأقارب من أهم مؤشرات الامتداد القرابي رغم الانشطار الفيزيقي بين الوحدات الأسرية في العائلة أو البدنة.
الدراسة الثالثة: التغير الاجتماعي والتكنولوجي وأثره في الأسرة المصرية بنائياً ووظيفياً:
تناولت الدراسة آثار التغير الاجتماعي والتكنولوجي على الأسرة المصرية بأنماطها المختلفة وذلك من خلال هذه التغيرات التي يتعرض لها المجتمع المصري.
وكانت من أهم نتائج الدراسة ما يلي:
1- أن الأسرة المصرية ليست نمطاً واحداً، وإنما نمط الأسرة المصرية يتناسب مع البيئة الاجتماعية السائدة والمستوى الحضاري الذي بلغته.
2- من أكثر الدعائم التي تقوم عليها الأسرة المصرية النواة في مجتمعات اليوم العينة لها خصائص الأسرة النواة ومن العوامل التي أدت إلى تناقص حجم الأسرة والتحكم في الإنجاب.
3- على الرغم من تفاوت تأثير هذه التغيرات إلا أن الأسرة المصرية على العموم تتميز بالتماسك والتكامل.
4- لم تختلف الأسرة المصرية عن التيار العالمي في مجال الأسرة الإنسانية بغض النظر عن الظروف المختلفة.
5- يتوقف تأثير الإدارة التكنولوجية على مبلغ انتشارها وانخفاض سعرها وتكاليف استخدامها.
الدراسة الرابعة: الالتقاء الحضاري وأثره في تغير البناء الاجتماعي للأسرة في قطر:
تناولت الدراسة آثار الالتقاء بين ثقافة قطر والثقافات الأخرى التي تتلاقى معها من خلال تواجد أهل هذه الثقافات الأخرى في قطر الذي يعد من أكثر أسبابه النفط.
وتوصلت الدراسة إلى النتائج التالية:
1- أنه نتيجة للالتقاء الحضاري حدث تغير في بناء الأسرة وأصبحت الأسرة نووية وقد ساعد ذلك على انتقال المجتمع من مجتمع بدوي إلى مجتمع حضري شبه صناعي.
2- إن دور الأب في الأسرة الحديثة يختلف عنه في الأسرة الممتدة فأصبح الأب في الأسرة النووية هو المسئول المباشر عن تربية الأبناء وإعالتهم وكذلك أصبحت الأم هي المسئولة عن تربية أبناءها مباشرة.
3- أصبحت أدوار الأبناء في الأسرة النووية أكثر تحديداً بالقياس إلى أدوارهم في الأسرة القديمة.
4- يضعف التماسك العائلي كلما اتجهت الأسرة نحو الاستقلال، أي يكون للأسرة النووية استقلالها الذاتي.
الدراسة الخامسة: التحضر وأثره في الأسرة الأردنية من وجهة نظر بنائية وظيفية:
استخدمت هذه الدراسة الاتجاه البنائي الوظيفي للكشف عن آثار التحضر على الأسرة الأردنية.
وكانت من أهم نتائج الدراسة ما يلي:
1- إن انتقال رب الأسرة من القرية إلى المدينة يصاحبه في الغالب انتقال الأسرة النووية. الأمر الذي يؤكد أن الهجرة هي هجرة أسر وليست هجرة أفراد.
2- لقد ارتبطت عملية التحضر بالنسق الأسري وأحدثت فيه تغيرات سوسيولوجية.
3- أدى التحضر إلى تغير نسبي في مكانة ودور كل من الزوج والزوجة.
4- أدى التحضر إلى زيادة الديمقراطية في معاملة الأبناء داخل الأسرة النووية.
الدراسة السادسة: بعض أشكال الأسرة الممتدة في الحضر محدداتها ومصاحبتها الاجتماعية دراسة ميدانية على بعض الأسر المصرية:
وتوصلت الدراسة إلى أهم النتائج التالية:
1- تنتشر الأسرة الممتدة في المجتمع الحضري.
2- لعبت العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دوراً كبيراً في تكوين الأسرة الممتدة.
3- يعد بناء الأسرة الممتدة الحضرية بناءً متميزاً عن بناء الأسرة الممتدة التقليدية سواء من حيث عوامل النشأة والوظائف والتنظيم الداخلي والدينامية الداخلية.
الدراسة السابعة: بعض ملامح التغير في شكل الأسرة الممتدة في الريف – دراسة ميدانية بإحدى القرى المصرية:
حيث كانت أهم النتائج لهذه الدراسة هي:
1- أن الأسرة الممتدة في الريف المصري تشهد تغيرات من حيث الشكل والحجم والوظائف.
2- يتأثر بناء الأسرة وتكوينها على العوامل الداخلية والخارجية.
3- الأسرة النووية هي أسرة غير منعزلة فمازالت هناك علاقات قائمة بينها وبين الأسرة الممتدة.
الدراسة الثامنة: التصنيع والقيم الأسرية دراسة ميدانية في أبو قير بمحافظة الإسكندرية:
تتلخص أهم نتائج هذه الدراسة فيما يلي:
1- تعدد أشكال الأسرة، حيث توجد الأسرة الممتدة إلى جانب الأسرة النووية
2- وجود أكثر من شكل للأسرة النووية (الأسرة النووية المعدلة، والأسرة النووية المستقلة).
3- لم يقتصر استمرار تأثير القيم التقليدية على بناء الأسرة فحسب، بل انعكس على حجمها أيضاً.
4- تؤثر القيم والعوامل الاجتماعية والاقتصادية في ظهور الأنماط المختلفة للأسرة.
5- استمرار جماعات لجوار كبناء ووظائف يعد مؤشراً للخصوصية الثقافية المميزة للأسرة المصرية بشكل عام.