أثارت لحية الملازم عبدالرزاق طلاس، قائد كتيبة "الفاروق" في
مدينة حمص، أزمة بين الإسلاميين والعلمانيين في سوريا، فمنهم من رآها
"رمزاً للثورة على الطغيان"، بينما اعتبرها آخرون "إساءة للثورة السورية"
وربط بينها وبين ما تزعمه السلطات السورية في رواية "جماعات إرهابية
مسلحة".
وظهر الملازم طلاس الذي يحظى بشعبية واسعة في سوريا، وقد أطلق لحيته وحف
شاربيه، مع المراقبين الدوليين لدى زيارتهم إلى حمص السبت 21 أبريل/نيسان
2012.
وينظر الكثير من السوريين إلى الملازم طلاس على أنه أحد نجوم الثورة،
وأسبغوا عليه الكثير من الرومانسية حتى إن عددا من الفتيات أعلن عبر
صفحاتهن على "فيسبوك" رغبتهن بالزواج من هذا "البطل" الذي يقارع القوات
الموالية للأسد ويحنو على الأطفال.
ودعا الشاعر والمعارض السوري المعروف فرج بيرقدار، الملازم طلاس إلى حلق
لحيته ليبدو "شخصاً عصرياً"، أو "تركها مع شاربيه" على غرار القائد الكوبي
تشي جيفارا، معتبرا أن رسالته ينبغي أن تخدم الثورة السورية "عسكريا
وإعلاميا" على أفضل نحو ممكن.
بيرقدار اعتبر، بحسب تقرير نشره موقع "خبر24.نت" (xabar24.net) الذي يهتم
بالشأن السوري، أن إطلاق اللحية مع حف الشوارب يعطي النظام ذريعة أن
"الثورة السورية سلفية"، مؤكداً أنه لا يجد الضير في إطلاق اللحية كـ"حرية
شخصية"، إلا أن يطلق أحد نجوم الثورة السورية لحيته فإنه قد يفسح مجالا
للتأويل الأمر الذي قد يؤثر سلبا على صورتها إعلاميا.
الإسلاميون يردون إلا أن تصريحات بيرقدار لم تمر مرور
الكرام. فقد سارع حسام الصباغ، ناشط سوري، إلى القول إن "العلمانية" جرّت
البلاد على مدار "90 عاما من تخلف إلى تخلف" وحولت سوريا إلى "جحيم".
واعتبر الصباغ أن "العلمانيين" نهبوا سوريا، مقارنا بين رئيس الوزراء
التركي رجب طيب أردوغان الذي حول تركيا خلال 10 سنوات إلى دولة كبرى، بينما
حولها "العلماني كمال أتاتورك من دولة عظمى إلى دولة من دول العالم
الثالث".
وأضاف متوجها إلى العلمانيين بسوريا "العلمانية الفرنسية أو الأوروبية تقوم
على احترام الأديان والإنسان والعمل بقوانين الدولة التي تحكم الجميع، أما
علمانيتكم فهي النظر إلى الدين باحتقار واعتباره سبب التخلف".
من جانبه اعتبر طريف السيد عيسى، ناشط سوري، أن تصريحات بيرقدار "تدخل
مرفوض في اختيارات الناس وحريتهم، خاصة من قبل من يقول إنه مع الحرية
الشخصية".
قوة الإيمان وتناول عبد الإله بكار، ناشط سوري،
جانبا آخر من القصة معتبرا أن "عبد الرزاق طلاس معرض للموت في كل ثانية وهو
يريد أن يلقى ربه على ما يحب وعلى قناعاته هو، وليس ما يرضي الآخرين!"
وتساءل "الله وعده بالجنة فماذا وعده الآخرون! هل سيحشرونه مع جيفارا؟"
وأضاف "الحرية تتطلب تقبل الآخرين بأفكارهم ومعتقداتهم وليس إجبارهم على
معتقدات معينة لحسابات معينة لا تهمها إذا قتل لا من قريب ولا من بعيد".
وأوضح محمد بيرقدار إن "مَنْ نذر دمه في سبيل الله وفدى الحرية والوطن،
يمثلني. باعوا كل شيء. وتضحياتهم لا توازيها تضحية.. هم يعرفون أن ليس لهم
سوى الله آخذين بالأسباب ومتوكلين على الله".
تجنب الشبهات ولكن أحمد بيرقدار، نشاط سوري، كان
له رأي آخر. وقال "من أصول ديننا أن نجتنب الشبهات، إن حلق عبدالرزاق طلاس
لحيته لهدف أسمى بكثير من السنة ألا وهو كسب الرأي العالمي وتعاطف الكون
معنا، فإنه سيؤجر على حلق لحيته".
وأضاف "صدقوني لو عرف سيدنا عمر بن الخطاب أن حلق لحيته سيقلص من معاناة
امرئ واحد على وجه الأرض لما تردد ثانية في اقتلاع جلدة وجهه، فما بالكم إن
كان الهدف هو ادخار آلاف الأرواح التي تنتظر سكين الجلاد".
إلا أن عبد الإله بكار، يرد ويقول "عبد الرزاق طلاس أراد أن يثور على
الطغيان ولحيته هي رمز للثورة على الطغيان المتمثل بالنظام وأتباعه ومن دار
في فلكه ولو أراد أن يعمل بمبدأ المسايرة والتقية لبقي في الجيش ضابطاً لا
مشرداً في بلاد الله، وإن كان مقتنعاً بلحيته فيجب أن لا نصادر رغبته".
العلمانيون يردون واعتبر المدافعون رأي الشاعر السوري
فرج بيرقدار أن "البعض قد حول القضية الى قضية مفاهيم ومعتقدات"، وقال
موسى عيسى إن "لكل شخص الحرية في معتقده".
ولكن، يضيف عيسى: "أرى مع الأستاذ فرج أن الأمر في شخص السيد طلاس يتجاوز
مفهوم النقد الشخصي إلى المفهوم التمثيلي لمؤسسة يفترض فيها أن تكون جامعة
لا مؤسسة لتيار مهم كبر حجمه أو صغر وإلا تحولنا إلى مفهوم الميليشيا
الحزبية".
واعتبر أن "لكل مؤسسة قواعدها والمؤسسة العسكرية لها أصولها وقواعدها والخروج عنها يؤدي في الكثير من الأحيان إلى الخروج عن الهدف".
من جانبه، اعتبر يوسف بن محمد، ناشط سوري، أن "طلاس رجل لامع في الجيش الحر
على مستوى سوريا وليس حمص فقط، وعليه أن لا ينتمي حتى شكلا إلى أي تيار".
وقال بن محمد إنه وجه هذه الملاحظة عبر وسيط إلى طلاس منذ أسابيع وكان جوابه " قلة فضا (أي لا يجد وقتا لحلاقة لحيته)".
وأكد خالد الكنج على هذا الرأي قائلا إن "لحية طلاس ستؤثر سلبا على الثورة
واحتمال تأخر النصر واحتمال أن يصل الموضوع لزيادة الدم المتدفق".
إقصاء واعتبر ناشطون آخرون أن الإسلاميين
يقصون الآخرين. وقال غياث الجندي إنه في تونس صعد السلفيون على الجامعة
ونزلوا العلم التونسي ورفعوا العلم السلفي لأن العلم التونسي حرام فيه
ألوان".
وأضاف "يمكن لأي كان أن يكون سلفيا أو تقدميا، ولكن لماذا يجب علي أن أكون
سلفيا إجباري عن أمي وأبوي" ولماذا يجب أن تكون الشريعة "هي الدستور في بلد
فيه أكثر من 2 مليون غير مسلم؟"
وأوضح "فعلا شعرت بالحزن أن أرى هذا المناضل الشهم عبد الرزاق طلاس وقد
اختار أن يكون ممثلا لتيار ما يقصي أغلب الناس بدل من أن يكون ممثلا لنا
كلنا نحن الذين صفقنا له وحييناه في كل مناسبة".
استسلام ولم يجد الشاعر السوري فرج بيرقدار
غير الاستسلام أمام حدة انتقادات الناشطة "شيرينا كوردا" له والتي قالت
"نحن هنا في الخارج لا ينقصنا شيء وهناك حياتهم ليس فيها حياة.. علينا تقبل
هؤلاء الأشخاص كما هم.. ومن يرغب بالتشبه بجيفارا عليه حمل السلاح في
الداخل وصنع البطولات".
ورد بيرقدار "أنا لست بطلاً يا شيرينا.. أنا رجل بسيط ورّطه الله بتعليقات
عميقة لا قِبَلَ له بها.. كوني بخير يا أختاه. أعلن استسلامي أمام ما
تقولين. جزاك الله الخير على توجيهاتك المهمة التي أنارت لي الطريق".