ما هو بالضبط مفهوم أسلوب الإنتاج هذا؟
بينا في المحاضرة السابقة أن تاريخ تطور الانسان هو تاريخ تطور طريقته في تحقيق انتاجه إن كل حركة التطور الانسانية تدور بالأساس حول محور واحد هو كيف يتم الانتاج في المجتمع؟
إن الإجابة على هذا السؤال هو مفتاح الولوج لتحديد كل شيء في قراءتنا لأي جماعة بشرية ، لقد لاحظ ابن خلدون كما أشرنا ان الانسان يتبع في طبائعه وسلوكه وقيمه...الخ طريقة معاشه كيف يعيش ومما يعتاش ، إننا اليوم أنا وأنت نعي
ا طبيعة الشخصية التي نتعامل معها بمقدار أساسي وجذري عندما نعرف ما هو عمله بالضبط وكيف ينتج ؟
إن طبيعة العمل الذي نمارسه نحن لانتاج دخولنا ينعكس بشكل أساسي حتى على شكلنا البدني على جلودنا لباسنا....الخ
الواضح أن هذه قاعدة تقبل التعميم ، أي أن قاعدة أسلوب الانتاج هذه تصلح سمة تميز المجتمع في فترة تاريخية من فتراته وانه يتغير ، سنعود لهذا بالتفصيل .
السؤال الملح الآن ما هو بالضبط اسلوب الانتاج ومما يتكون ؟
إن أسلوب الانتاج المهيمن أو طريقة الانتاج عناصر تكوينها هي :
1- قوى الإنتاج producing forces.
2- علاقات الإنتاج producing relations.
قوى الانتاج او عناصر الانتاج هي المكونات المادية لعملية الانتاج كل ما يدخل في عملية الانتاج سواء كان مستمد من الأرض والطبيعة ، أو مستمدا من آلات أو معدات أو تكنولوجيا استخدام (رأس مال) ، أو عمل انساني عضلي كان أو ذهني عقلي ، أو إداري تنظيمي ، كل هذا معا هو قوى الانتاج.
علاقات الانتاج هي التعبير الماركسي عن علاقات الملكية ، بالتحديد ملكية وسائل الانتاج أو الرأس مال ، يعني ماهية وملكية رأس المال المنتج .
إن علاقات الانتاج هذه تمثل البنيان التحتي للمجتمع الأساس المادي الذي عليه يبنى المجتمع ومن هنا تحديدا يبدأ تغير المجتمعات إن شكل الرأس مال وملكيته بالتحديد هي التي تنصبغ على كل المجتمع وتحدد شكله ومن ثم بناءه الفوقي .
ما هو البناء الفوقي ؟
البناء الفوقي ؛ هو المنظومة القيمية للمجتمع ، "أنا الأمة" كما هي عند منتسكيو مثلا في روح القوانين ، أو بتعبير معرفي نسبيا يمكن القول إن البناء الفوقي المعنوي هو جملة القوانين والعادات والأعراف والمعتقدات الدينية والأخلاق والقيم و النظام السياسي ...الخ
إذن ؛ لدينا قاعدة مادية للمجتمع يمثلها اسلوب الإنتاج والذي بدوره مكون من قوى الإنتاج والبنية التحتية للأسلوب وهي علاقات الإنتاج ، وكذلك لدينا بنية فوقية بما فيها من نظم ضابطة للمجتمع دينيا واخلاقيا وسياسيا وقانونيا...الخ
هذا البناء كله هو ما أطلق عليه ماركس مصطلح التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية.
ويمكننا ان نلاحظ هذه التشكيلة في دراستنا للمجتمعات تاريخيا ، بل وان نلاحظ أن دراستنا للتطور التاريخي لأي مجتمع ممكنة بتحديده كتاريخ تطور تشكيلات إجتماعية إقتصادية محركها الأساسي وجوهر تغيرها وتطورها هو بالذات البناء التحتي : علاقات الإنتاج.
لقد لاحظ ماركس بشكل أساسي أن التاريخ البشري يمر بمراحل في تطوره كل منها هي تشكيلة إجتماعية إقتصادية قائمة بذاتها على النحو التالي :
التشكيلة الاولى : المشاعة البدائية .
التشكيلة الثانية : نظام الرق .
التشكيلة الثالثة : النظام الإقطاعي .
التشكيلة الرابعة : النظام الرأسمالي.
ثم استخدم تحليله المادي الجدلي للرأسمالية ليتنبأ بالمرحلة الخامسة وهي :
التشكيلة الخامسة : النظام الإشتراكي - الشيوعي.
إن عمل كارل ماركس الأساسي في المادية التاريخية والذي يشكل كتابه رأس المال ركيزته الرئيسة ينصب على تحليل التاريخ وفق هذه الرؤية وهو ما سنعالجه في المحاضرات القادمة بإبراز عناصره ومكوناته وخطوطه العامة.