الاستشعار عن بعد والدراسات المائية
ويمكن استخدام وسائل الاستشعار عن بعد في العديد من الدراسات المائية، خاصة في المناطق النائية من البحار والمحيطات، مثل قياس مساحة المسطحات المائية، وتحديد أعماقها، حيث تسمح بذلك درجة صفاء المياه، وكذلك تسجيل درجة التعكر، ودراسة انتشار الرواسب والفضلات الصلبة وبقع الزيوت الملقاة من السفن، والتيارات الدافئة، وطبقات المياه المتباينة في ملوحتها أو حرارتها، وكذلك دراسة التغيرات التي تحدث في الشواطئ والجزر والحواجز الرملية.
والسفن الكبيرة، مثل ناقلات البترول، إما أن تستخدم التيارات المائية في حركتها أو تجنبها في تخطيطها للمسار الأمثل، توفيرا للوقود والوقت، وبذلك فإن دراسة حركة تيارات المحيط تُعد ضرورة لمثل هذا التخطيط.
ورغم أن هذا النوع من الرصد والدراسة كان موجوداً من قبل عن طريق القياسات التي تجرى باستخدام البالونات، أو نتائج ثانوية لقياسات الأقمار الصناعية الأولى، فإنه أخذ دفعة كبيرة بإطلاق أقمار صناعية متخصصة لدراسة المحيط.
دراسة قاع البحار والمحيطات
ويمكن للأقمار الصناعية رسم قيعان المحيطات بشكل مباشر، وذلك بعمل قياسات دقيقة لسطح المحيط بواسطة موجات الرادار، التي بواسطتها يستدل الجيوفيزيقيون على طبوغرافيا قاع المحيط، لأن هذه الموجات تستطيع اكتشاف الارتفاعات البسيطة في المياه عن طريق جاذبية الثقل للتضاريس الموجودة في قاع المحيط. فالكتل الكبيرة لجبل من قاع المحيط تجذب المزيد من المياه بالقرب منها، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب سطح البحر فوقها بدرجة كافية لأن يكتشفها الرادار.
وقد قامت سفن المسح والاستطلاع بعمل خرائط مساحية، ورسمت خرائط لنحو 7% فقط من مساحة قيعان البحار والمحيطات بواسطة أجهزة ارتجاع الصدى "السونار" Sonar. وحتى المناطق التي رسمت لها خرائط جيدة، كان وجود مساحات كبيرة خالية أساسياً فيها، لسير السفن في اتجاهات واحدة محددة، مما أضطر راسمو الخرائط إلى الاعتماد على التخمين والخيال لملء الثغرات في الخرائط التي غالباً ما كانت تمتد لمئات الأميال.
ويذكر أن عمل مسح لقيعان البحار والمحيطات بواسطة أجهزة "السونار" من الأمور المملة، لأن السفينة التي تحمل الأجهزة تغطي مساحة صغيرة، نتيجة لحركتها في مسار واحد للأمام والخلف لمدة تقترب من الشهر.
لون المحيط يشير إلى ما يحويه
ومنذ عام 1978م طور علماء المحيطات تقنيات تسمح بمعالجة متغيرات ذات أهمية كبرى، ومنها استنتاج الظروف السائدة تحت سطح البحر، حسب تأثيرها في الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من سطح البحر، أو المنعكسة منه. ويستتبع هذا معرفة جيدة بالعمليات الطبيعية الجارية في الطبقات العليا من المحيط.
ومثال ذلك، أن لون البحر، كما يسجله القمر الصناعي، لا يفيد بذاته، ولكن ثمة عوامل مؤثرة في اللون لها بعض الأهمية. فترابط الكلوروفيل مع النباتات المغمورة أو المعلقة في الماء تؤثر في النسبة بين اللونين الأخضر والأزرق.
وهكذا، فبالجمع بين الرؤية النظرية، والتجارب المتقنة، أمكن استخدام عمليات تتيح الربط بين لون المحيط وبين مقدار الكلوروفيل على عمق بضعة أمتار. وبالمثل، ولكن بدرجة أقل من الثقة، يمكن أن يشير اللون إلى ما يحتويه البحر من رواسب، كما يمكن، في المياه الضحلة، أن يدل اللون على عمق البحر.
القمر "جيوسات"
وفي عام 1985م أصبح من الممكن النظر بشكل مختلف إلى عالم أحواض المحيط، وذلك عندما أطلقت البحرية الأمريكية ومعمل "جون هوبكنز" للفيزياء التطبيقية قمراً صناعياً سمي "جيوسات" Geosat يحمل راداراً وجهازاً لقياس الارتفاعات، وذلك لعمل قياسات سطح البحر طبوغرافيا، حيث أظهرت انعكاسات الرادار الأرض الوعرة، والتضاريس الكبيرة في قاع المحيط.
وقد سمح بنشر المعلومات التي تم الحصول عليها بواسطة هذا القمر، وذلك استجابة للالتماس الذي قدمه العلماء، غير العسكريين، ولكن أغلب المعلومات ظلت سرية لأهميتها للبحرية الأمريكية. ثم سمحت البحرية الأمريكية بعد ذلك بنشر كل المعلومات، وذلك بعد شهور قليلة من قيام القمر الصناعي ERS-1 التابع لوكالة الفضاء الأوروبية بالتوصل إلى مسح مشابه للبحر، مما سمح للمرة الأولى، بعدم بقاء المعلومات سرية، وإعطاء صورة مفصلة عن كل أحواض المحيط.
وقد زودت المعلومات التي وفرتها هذه الأقمار الصناعية العلماء بتحليل غير عادى لمجال جاذبية الأرض عبر المحيطات. وأتاح تدفق المعلومات الجديدة مواجهة مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول طبوغرافيا قاع البحار والمحيطات.
مسح أعماق المحيط بأجهزة السونار
ومن المعروف أنه في الخمسينيات، أجري أول استطلاع سريع ودقيق لمسح أعماق المحيط بأجهزة "السونار". وكانت النتائج مفاجئة بالنسبة لعلماء المحيطات، فأرضية المحيط، التي تخيلوها أراضى مسطحة، بلا معالم أو سمات، اكتشفوا أن بها تضاريس أكثر وعورة من الموجودة فوق سطح الأرض. فهي تحتوي على جبال أكثر ارتفاعاً وامتداداً من جبال الأرض، كما يوجد تحت سطح البحر سلسلة من البراكين التي تحيط بالأرض.
طبوغرافية قاع المحيط
وقد أدرك الجيولوجيون الاختلافات في طبوغرافيا سلسلة جبال وسط المحيط منذ بداية السبعينيات، ولكنهم لم يكونوا قادرين على إيجاد تفسير مناسب لها. فالانتقال من نمط من أنماط التضاريس إلى النمط الآخر، كان يحدث بشكل تدريجي، ويظهر عندما تزداد معدلات الامتداد.
وقد ظلت طبيعة هذا الانتقال غامضة، إلى حد بعيد، وذلك لأن أغلب سلسلة الجبال وسط المحيط، التي امتدت بمعدلات متوسطة، استقرت بعيداً في جنوب المحيط حول القارة الجنوبية، فظلت غير مكتشفة بشكل فعلي. ولكن سلاسل جبال وسط المحيط من المحيطين الأطلنطي والباسيفيكي ظلت تلقى الاه
الأكثر، حيث يظهر فيها مراكز امتداد الطبقات السريعة والبطيئة.
وفي شهر يوليه 1996م سجل قمر صناعي تابع للبحرية الأمريكية، لأول مرة، بصورة واضحة، معالم أحواض المحيط، مما مكّن العلماء من عمل خرائط عديدة لكثير من المناطق البحرية التي كانت مجهولة من قبل، كما أنها ساعدتهم في الوصول إلى فهم أفضل لأرضية البحار والمحيطات.
والآن، يحصل العلماء على تغطية منتظمة لقاع المحيط بالقمر الصناعي، حيث يمكن مشاهدة شبكة الجبال بشكل متكامل، وإجراء مقارنة مباشرة بين الجبال التي امتدت ببطء أو بمعدل متوسط، وبين التي امتدت بشكل سريع. وما تم اكتشافه كان متعارضاً مع ما كان يعتقد من قبل.
فطبوغرافيا سلسلة الجبال لا تتغير دائما بشكل تدريجي، حينما تزيد معدلات الامتداد. وبينما حركة تباعد الطبقات تزداد في معدل سرعتها، أصبحت الوديان الوسطى العميقة في سلسلة الجبال بطيئة الامتداد ومنبسطة تدريجياً. كما أن أرضية البحر التي نتجت من جراء هذه الأحداث أصبحت، هي الأخرى كذلك.
وفي إحدى مناطق المحيط الهندي الواسعة، والتي أهملت أثناء عمليات البحث بالسفن، قام قمر صناعي بعمل خريطة كشفت عن ثلاث سلاسل جبال مثيرة. فسلسلة جبال وسط المحيط في الجنوب من جزيرة مدغشقر كانت عميقة جداً.