الاستشعار عن بعد: علم وتطبيق وتكنولوجيا
الاستخدامات والتطبيقات المدنية
حصر الموارد الطبيعية
مكنت صور الاستشعار عن بعد من تصحيح كثير من المعلومات، وأعيد النظر في معظم الخرائط الجيولوجية، ذلك لأن هذه الصور تعطي نظرة شمولية ودقيقة لوحدات وتراكيب جيولوجية، ذات امتداد كبير، وتعطي المؤشرات الأولية للإمكانات المعدنية والنفطية والغازية.
واليوم هناك أمثلة لا تحصى على نجاح هذه التقنية في التطبيقات، جرت خلال السنوات القليلة الماضية في وسط دولة المغرب حول الحديد والفوسفات، وفي كندا، وفرنسا، وأسبانيا، ومصر، وغيرها.
حصر مصادر النفط والغاز
أصبحت شركات النفط العالمية تعتمد بشكل، شبه رئيس، على استقراء الصور لتحديد مواقع التنقيب عن النفط والغاز، بعد أن كانت تعتمد على التصوير الجوي التقليدي، الذي يستنفذ كثيرا من الوقت والتكاليف، فبينما تستطيع هذه الشركات اليوم استخدام صورة فضائية تغطي على الأرض مساحة 34 ألف كم مربع، فإنها تحتاج إلى ألف وستمائة صورة جوية لتغطية المساحة نفسها، وبتكاليف باهظة، وبدقة متواضعة، رغم المقياس الكبير لهذه الصور.
وتشير الصور الفضائية إلى مناطق المعادن والنفط والغاز في الأحواض الرسوبية والفوالق وغيرها، مما يسهل توجيه أعمال التنقيب التفصيلي، والوصول إلى النتائج بفترات قياسية، وقد نجح تطبيق هذه التقنية في بورما، والفلبين، وكينيا، ومصر.
حصر مصادر المياه الجوفية
ويمكن بواسطة تحليل الصور الفضائية والمؤشرات التي تظهرها تحديد مواقع المياه الجوفية، ودراسة مصادر المياه السطحية، وتوجيه استغلالها بجدوى كبيرة، وكذلك دراسة تراكمات الثلوج ومدى تأثيرها على تغذية المياه الجوفية. وقد اكتشفت بهذه الوسائل وديان غنية بالمياه في البحر وغرب النيل وفي السودان، ووضعت على أساس ذلك خرائط مهمة لاستخدامات الأراضي.
أعمال المساحة
أدت التكنولوجيات الحديثة للاستشعار عن بعد، والمعالجة الإلكترونية للبيانات إلى تغيير ثوري في أعمال المساحة، التي جعلت الخرائط الجديدة أكثر قدرة على فهم العالم. وربما أكثر قدرة على إدارته، فالخرائط تسعى إلى تبسيط العالم إلى مقاييس تسمح للإنسان بفهمه. وجدير بالذكر أن الصور الفضائية يتم الحصول عليها من ارتفاعات أكثر مئات المرات من تلك الارتفاعات التي تطير عليها طائرات المساحة، ومن الواضح أنها فتحت آفاقا جديدة وخاصة للمساحة ذات المقياس الصغير.
وما كان يمثل مشكلة في التصوير الجوي لرسم الخرائط، كغطاء السحب في حالة الطقس السيئ، تم إخضاعه لأنظمة وأجهزة استشعارية حديثة، لا تتأثر بالسحب بتاتاً. ففي البرازيل، مثلاً، كانت نتيجة عمل ست سنوات متواصلة من جمع الصور الجوية لرسم الخرائط لمنطقة شاسعة، إنتاج تغطية مقبولة لنصف المساحة المرغوبة والمطلوبة فقط، بينما أنتجت التحليقات الحديثة التي استخدمت الرادار ذي الرؤية الجانبية، تغطية كل المنطقة المطلوبة، وبشكل بالغ السرعة، .
تأثير الغلاف الجوي في التصوير من الفضاء
مع بداية عصر الفضاء، كان التفكير في الواقع المرتقب على رسم الخرائط محدوداً، حيث افترض العديد من الخبراء أن الغلاف الجوي للأرض سيشوه ويحول دون التصوير الجيد من الفضاء، ولكن رواد الفضاء الأوائل أثبتوا خطأ هذا الافتراض. وعلق رائد الفضاء "جون جلين"، عندما اقترب من نهاية طيرانه المداري، في مركبة الفضاء "ميركيوري" عام 1962م، قائلا: "إنني أستطيع رؤية ولاية فلوريدا كاملة ممتدة
اً، مثلما هي على الخريطة".
وبهذا تمكن رائد الفضاء جلين، من رؤية متكاملة لِما اضطرت أجيال من راسمي الخرائط لتجميعه على سطح الأرض، أو من خلال الطيران المنخفض. ولعل ما هو أكثر إثارة وكشفا بالنسبة لراسمي الخرائط، تجربة "جوردون كوبر"، أثناء رحلة "ميركيوري" الأخيرة عام 1963م، فقد أبلغ رائد الفضاء وهو على ارتفاع 165 كيلومترا فوق سطح التبت، قائلا: "أستطيع أن أميّز المنازل والشوارع كلا بمفرده".
تطور رسم الخرائط باستخدام الصور الفضائية
وبمقارنة الخرائط الموجودة، التي تجاوزتها الأحداث بسنين عديدة، بالصور التي التقطها رواد الفضاء، تمكن علماء الخرائط بسهولة من تمييز الجبال، التي لم تكن محددة بالخرائط السابقة في التبت، وكذلك البحيرات المرسومة في أماكن خطأ على الخريطة، والخطوط المحددة لقيعان البحيرات القديمة. ومن هذه الصور أمكن وضع خريطة حديثة للتبت.
وفي علم الخرائط، يراد للخارطة الموضوعية أن تخدم غرضا محدداً، على النقيض من الخارطة العامة، التي تظهر عليها مجموعة متسعة من الظواهر في آن واحد. والموضوع المحدد قد يكون التربة، أو توزيع الغطاء الخضري، أو الغطاء الثلجي، أو الصدوع الجيولوجية، أو أنماط استخدام الأرض. وكل هذه تمثل أدوات صناعة رسم الخرائط بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد.
وفي السبعينيات، أجرت البرازيل، بمعونة الأمريكيين، مسحاً لحوض نهر الأمازون، الذي كان مسحه في السابق ضعيفاً، والذي يشكل نصف مساحة البرازيل، وذلك باستخدام الرادار المحمول جواً. ولقد تم اكتشاف نهر، كان غير مخطط في السابق، يتجاوز طوله عدة مئات من الكيلومترات، كما أن منطقة كانت تعد غابة قومية، تبين أنها منطقة سافانا.
وفي عام 1982م استكمل المسح الجيولوجي أول قاعدة للمعلومات الخرائطية الرقمية، وهي مجموعة أشرطة مغناطيسية قياسية للحاسب، تحتوي على الخطوط والحدود والطرق والسكك الحديدية والأنهار والجداول، وغيرها من الملامح الخرائطية للولايات المتحدة كلها.
تطور وسائل المساحة المحمولة جواً
تطورت وسائل المساحات الجيومغناطيسية Geomagnetic Surveys المحمولة جواً في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، واستخدمت في الكشف عن الغواصات أثناء الحرب العالمية الثانية. وأثبتت هذه الطريقة قيمتها في المساحة التعدينية في عدة دول.
كانت والمساحة الراديوميترية النوع الثاني من المساحة الجيولوجية الطبيعية لكي تصبح محمولة جوا، والمساحة الكهرومغناطيسية Electromagnetic Surveys كانت الثالثة.
اكتشاف الآثار
التنقيب عن المناطق الأثرية أحد تطبيقات الاستشعار عن بعد المهمة، حيث يمكن استعمال الصور الجوية والفضائية للكشف عن المواقع الأثرية، عن طريق رؤية المظاهر السطحية وما تحتها، وذلك من خلال تفسير هذه الصور.
وقد بدأ استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في الكشف عن الآثار في توسيع رقعة الظاهر منها، والذي لم يظهر بعد، وذلك عن طريق متابعة الانحرافات اللونية في الغطاء النباتي في مكان ما، واختلاف درجة الرطوبة في التربة، ومدى نمو النباتات فوق الموقع المدروس، وعن طريق متابعة الأشكال والأنماط الهندسية التي تأخذها مثلا ظواهر الصقيع في منطقة ما.
المظاهر السطحية الأثرية
أما المظاهر السطحية الأثرية المهمة، فتشمل الآثار المرئية، والتلال، والكتل الصخرية، والآثار السطحية الأخرى، ومثال ذلك الآثار التي كانت تشكل الأبنية والقلاع الأثرية في أوروبا عموماً.
ومن أمثلة التلال الأثرية التي اكتشفت بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد التلال التي تشبه الطيور في شكلها، والتلال التي تشبه الأفاعي، الواقعة وسط غربي الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك كثير من الآثار السطحية في روسيا أيضاً.
المظاهر الأثرية تحت السطحية
وأما المظاهر الأثرية تحت السطحية، فتشمل الآثار المطمورة، كالأبنية القديمة، والقنوات، والخنادق القديمة، والطرق الأثرية القديمة أيضا. وعندما تكون هذه المظاهر مغطاة بالحقول الزراعية، أو النباتات الطبيعية، فإنه يمكن أن تظهر بوضوح من خلال الصور الجوية، عن طريق متابعة التغيرات اللونية الناتجة عن الاختلافات في رطوبة التربة ومدى نمو النباتات وقوتها.
وفي بعض الأحيان تظهر مثل هذه المظاهر بوضوح من خلال الاختلافات الموجودة بشكل مؤقت، والسريعة الزوال، وذلك بمتابعة الأشكال والأنماط الهندسية، التي تأخذها مظاهر الصقيع الحاصل بالمنطقة المدروسة.
ويعد هذا الاستخدام من النتائج المثيرة وغير المتوقعة للاستشعار عن بعد، خاصة أنه يتعلق باكتشافات لم يكن من الممكن كشف النقاب عنها بأية تقنية معروفة أخرى. فخلال قرون عديدة ماضية، ظلت صحراء عمان، مثلاً، معبراً للقوافل، وإذا كانت مسارات القوافل هذه غير ظاهرة للعيان على الأرض، فإنها قد بدت واضحة في الصور، التي التقطتها الأقمار الصناعية من الفضاء. وعند التقاء هذه المسارات هناك احتمال كبير جدا في اكتشاف أطلال قديمة.
التطبيقات الزراعية
يجد الزراعيين تطبيقات عديدة للاستشعار عن بعد، فالكشف المبكر لإصابات المزروعات ولغارات الحشرات على المناطق الزراعية، من خلال استعمال أنظمة متعددة للاستشعار، سيخفض من الخسائر الناتجة عن ذلك، بواسطة إتاحة الفرصة للفعل العلاجي كي يطبق بشكل أسرع وبفاعلية أكبر.
والقاعدة المتبعة عادة لمنع إصابة النباتات، أو لخفض تخريب المحاصيل التي تنتقيها الحشرات الضارة، هي رش المحاصيل دوريا، عدة مرات خلال الموسم. وبواسطة الاستشعار عن بعد يمكن أن يتم تجنب الرش، غير الضروري، في المناطق ذات الزراعات الكثيفة، وذلك بتحديد الحقول، غير المصابة، بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد، القادرة على كشف وتمييز الحقول المصابة عن الحقول السليمة.
استخدام التصوير الجوي من الطائرات في التطبيقات الزراعية على الرغم من أن بعض التفصيلات قد لا تكون ممكنة في لقطات وصور الأقمار الصناعية هذه بسبب المقياس الصغير، فإن التصوير الجوي من الطائرات، على ارتفاعات مختلفة، يمكن أن يستخدم ليعين بدقة البقاع المتعذرة الرؤية، حالما يؤشر من الفضاء عن وجود الإصابة. وكذلك، فإن التنبؤ المسبق عن حالة الغلال والمحاصيل، من خلال مراقبة نشاط النبات هو هدف آخر من أهداف الاستشعار عن بعد.
وتساعد صور الحقول الزراعية على إرشاد الفلاحين إلى الأمكنة التي تزدهر فيها المحاصيل، وتلك التي لا تتواءم معها. فمثل تلك الصور يمكنها مساعدة الفلاحين على تصور أنماط التربة في حقول معينة، ومن ثم تحسين استراتيجياتهم حول أمكنة الري والتسميد وتوقيتهما ومقاديرها المناسبة.
دراسة البحار والمحيطات
من أهم تطبيقات الاستشعار عن بعد دراسة المياه في البحار والمحيطات، بوصفها عنصراً مكملاً مع اليابسة من عناصر منظومة كوكب الأرض. ويبلغ مجموع المساحات المائية على الأرض حوالي 139.294 مليون ميل مربع، بينما تقدر مساحة اليابسة بحوالي 57.656 مليون ميل مربع.
وتتمثل هذه المساحة المائية بالمحيطات والبحار والبحيرات والأنهار. ولكن مياه المحيطات والبحار تكون حوالي 98% من مجموع ما على الأرض من ماء، وهي مياه مالحة، تصل نسبة الملوحة فيها إلى 3.5%، وتتكون غالبا من أملاح كلوريدات وكبريتات الصوديوم والبوتاسيوم والماغنسيوم وغيرها.
وحركة المياه في البحار والمحيطات تؤثر تأثيراً بالغاً في مناخ كوكب الأرض، بل إن مناخ الكوكب هو نتاج مباشر لتفاعل هذه الكتلة الهائلة من المياه مع اليابسة، وتنقل الحركة الكبيرة للمياه الحارة من المناطق الاستوائية إلى المناطق القطبية، وتؤثر بذلك في المناخ وفي معدلات ذوبان الثلوج.