جلس قبالتي على المائدة وألقى بالجريدة أمامه في ملل وهو يقول : عن الحب لا زلت تتكلم ؟
فقلت بهدوء وأنا أهيئ نفسي لجدال قد يطول : وأكتب وأحاضر وأناقش .. وأناظر أيضا .
فابتسم ساخرا وقال : وهل هناك من يناظرك في الحب ، أتعب نفسه من يفعل ذلك ، الحب كما أريتنا إياه يسكن دفتي كتاب جميل ، أنيق التصميم ، حسن العنوان ، سلس العبارة .
فقلت : هكذا نؤرخ له ، لكنه يسكن حقا في قلوب العشاق والمحبين الصادقين .
تثائب في تكاسل مصطنع وهو يقول : أعط زوجتك وردة ، قل لها يا حبيبتي ،
قبلها وأنت ذاهب للعمل . هذا هو الحب كما تراه أليس كذلك .
أدركت أن جدالي لن يفيد مع محاوري الذي أزعجته كتاباتي ،
فقلت ملقيا الكرة في ملعبه : اخبرني إذا ما الحب يا صاحبي .
فقال وهو يشيح بيده كمن يطرد عقربا : لالالا .. تكلم أنت عنه ، ودعني أعيشه .
نظرت له كاتما ضحكة قد تأتي على البقية الباقية من حبل مودتنا المهترئ في الأصل ،
وقلت محاولا تحريك ستائر التشاؤم التي تغطي نافذة قلبه : من وجهة نظرك هل الحب موجود على الأرض أم أنه كائنا أسطوريا ؟! .
فقال : الحب كائن حقيقي ، لكنه من النوع الذي ولد ليموت ، أو لو شئنا الدقة ( ولد ليقتل) ! .
فسألته باه
: ولد ليقتل !؟ ، من ذا الذي يتجرأ ليقتل الحب ؟
فقال مندهشا من اندهاشي : كلنا يفعل ذلك ، نفعله كل يوم وكل ساعة ، وأداة الجريمة أعلمها ، ومستعد لإطلاعك عليها إن أحببت .
فاعتدلت في جلستي وأنا أحثه على الكلام : طبعا أريد أن أعرف .
فتنهد متألما وقال : حسنا ، أن تقتل حبا فيجب أن تفعل ما يلي :
1. لا تثق في شريك حياتك : وأقصر طريق لزرع الشك بينكما هو الكذب ، ولا أقصد بالكذب الا تصدقها القول فقط ، بل إن إخفاء الحقائق يعد كذبا في دستور الحب أيضا .
2. الزواج مقبرة الحب : آمن بهذه المقولة واجعلها تملك عقلك ووجدانك ، أخبر زوجتك وكل من حولك بأنك تنتظر اليوم الذي ستقرأ فيه الفاتحة على روح الحب ،
فهو قادم .. قادم ..لا محالة !! .
3. تمتع بلذة السلبية : فلا تطيع شريك حياتك فيما يطلبه منك ، تهرب من التزاماتك ، ليكن البيت فندقا ، تمارس فيه هواياتك من قراءة الصحف ومشاهدة التلفاز والحديث في الهاتف .
4. أرفض النقد أو النصيحة جملة وتفصيلا : ولا تستمع إلا لصوتك أنت فقط .
5. تعامل مع زواجك كانه قضاء الله الذي لا يرد وقدره الذي نفذ : ردد دائما أن ليتنا نستطيع تغيير ماضينا ، لا تجامل ولا تتسم باللباقة ، فقط أشعر شريكك بأنك في ورطة بارتباطك به طوال الوقت .
6. النظافة الشخصية أمر شخصي : عدم اه
ك بها من المفترض ألا يزعج أحد ، وعلى شريكك ألا يزعجك بطلبه منك غير ذلك .
7. كن بخيلا : وحاول أن تتفنن في ذلك ما استطعت ، تعامل مع متطلبات الحياة مهما كانت ضرورية وكأنها ترف يجب الاقتصاد فيه .
8. كن هجوميا : احترام شخصية الآخر أمر جيد في العمل ، لكن في البيت الهجوم خير وسيلة لنيل أي شيء .
لم أستطع أن أخفي امتعاضي وأنا أنهر صاحبي قائلا : إن واحدة مما ذكرت كفيلة بقتل الحب في مهده ، فكيف إذا اجتمعوا ، وانهالوا على الحب طعنا وتمزيقا .
فقال وهو يعتدل في جلسته : و جل بيوتنا يسكنها واحدا أو أكثر من هذه الكوارث ، ومع ذلك تستمر وتمضي من اجل أي شيء .. إلا الحب .
فقلت متعجبا : أي حياة تلك التي نعيشها وكأننا في سجن وقد حكم علينا بالأشغال الشاقة المؤبدة .
فقال وهو يبادلني الحسرة : ورغم هذا تحدثنا عن الحب ، وتعدنا بأن ترفرف سحائب الرومانسية على حياتنا ، كفاك خيالا ودع كل منهم يواجه الحقيقة !! .
فقلت : عجبا لأمرك ، أبدلا من معالجة المرض والبحث عن الدواء ، تطالبني بالاستسلام للأمر الواقع ،
لماذا بدلا من أن ننعي الحب ونعلن موته ، نتعلم كيف ننهض ونحاول إحيائه ليظلل دنيانا من جديد ، لماذا إذا ما وجدنا الحب يدير لنا ظهره مودعا ،
آسفا على حياتنا التي رفضت استقباله وإحسان ضيافته ، نودعه ونخبره ألا يعود ثانية .
لماذا نقتل الحب ما دمنا قادرين على الحفاظ عليه ؟ ! .
قال باقتضاب : ليس هناك أمل ! .
قلت : بل هناك آمال كثيرة ، شمس الحب ـ رغم سحب تشاؤمك ـ تسطع على قلوب كثير من بني البشر ،
وتنعش بداخلهم أرواح تأبى التفريط فيما أنعم الله عليهم .