أيها الأحبة فى الله
كل إنسان يعلم أن الموت حق .. فمن منا استعد للموت استعدادا حق
فالموت كأس وكل الناس ذائقة ... والقبر دار وكل كل الناس داخله
إن هذا الموضوع سوف يتحدث عن سكرات الموت وضمة القبر عفانا الله وإياكم من سكرات الموت وضمة القبر ...
سكرات الموت
فإنَّ الله تعالى قضى على عباده بالموت، كما قال تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ"، والموتُ: هو مفارقةُ الروح للجسد، ولا يحصلُ ذلك إلا بألمٍ عظيمٍ جداً، وهو أعظمُ الآلام التي تُصيب العبد في الدُّنيا
قال عمر لِكعبٍ: أخبرني عن الموت، قال يا أميرَ المؤمنين، هو مثلُ شجرةٍ كثيرةِ الشَّوك في جوف ابنِ آدم، فليس منه عِرقٌ ولا مَفْصِل إلا ورجل شديد الذراعين، فهو يعالجها ينْزعها، فبكى عمر.
ولما احتضر عمرو بنُ العاص سأله ابنُه عن صفة الموت، فقال: والله لكأنَّ جنبيَّ في تخت، ولكأنِّي أتنفَّسُ من سمِّ إبرة، وكأن غُصنَ شوكٍ يُجَرُّ به من قدمي إلى هامتي. ولعل هذا الأثر هو الذي يشير إليه السائل.
وأصح من ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (4449)، ومسلم (2443) من حديث عائشة -رضي الله عنها -أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما تغشَّاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: "سبحان الله! إن للموت سكرات"
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه البخاري (5646)، ومسلم (2570)
ففي هذا وغيره من النصوص الشرعية ما يدل على أن الميت يجد ألماً وشدة مما يغشاه عند الموت، فإن سكرة الموت هي: شدته وغمراته التي تذهب بالعقل، وهذه الشدة والمعاناة تكون رحمة من الله لعبده لرفعة درجاته وتكفير خطاياه، فهي كالتنقية الأخيرة للمؤمن، نسأل الله من واسع رحمته.
وإذا كان المؤمن يجد هذه الشدة، فإن الكافر أيضاً يجد من الألم والشدة أكثر مما يجد المؤمن، كما أن الكافر تنزع روحه أيضاً بشدة، كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-
أن روح الكافر والفاجر تفرَّق في جسده عندما يقول لها ملك الموت: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط الله وغضبه، وأنه ينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فتتقطع معها العروق والعصب، (والسفود هو الحديد الذي يوضع عليه اللحم للشواء) الحديث رواه أحمد (18063).
أما ضمة القبر أو ضغطته فهي:
زحمة القبر وعصره، أي: التقاء جانبي القبر على جسد الميت، بحيث يعصره ويضغطه، وهي أوَّلُ ما يلاقيه الميتُ حين يوضعُ في قبرِه، وقد جاءَ في النصوصِ ما يدلُّ على أنَّها عامةٌ لكل من يوضعُ في القبرِ، ولا ينجو منها أحدٌ، بل الكافر والمسلم في ذلك سواء
فلا ينجو منها صالح ولا طالح، غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها: هو دوام الضغط للكافر، وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره، ثم يعود القبر إلى الانفساح له.
روى أحمد (6/55، 98) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، فَلَو نَجَا أَو سَلِمَ أَحَدٌ مِنهَا لَنَجَا سَعدُ بنُ مُعاذ"
وقال الألباني في الصحيحة (1695): وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب، فنسأل الله تعالى أن يهون علينا ضغطة القبر إنه نعم المجيب.
وعن أبي أيوب رضي الله عنه: أن صبيًا دُفنَ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ لأَفْلَتَ هَذَا الصَبِيُّ" رواه الطبراني المعجم الكبير (4/121)، وصححه الهيثمي (3/47)، والألباني في السلسلة الصحيحة (2164).
قال المناوي في فيض القدير 1/233: "فالمؤمن أشرق نور الإيمان في صدره، فباشر اللذات والشهوات وهي من الأرض والأرض مطيعة، وخلق الآدمي من هذه الأرض، وقد أخذ عليه العهد والميثاق في العبودية له، فما نقص من وفاء العبودية صارت الأرض عليه واجدة،
فإذا وجدته في بطنها ضمته ضمة ثم تدركه الرحمة فترحب به، وعلى قدر سرعة مجيء الرحمة يتخلص من الضمة، فإن كان محسنا فإن رحمة الله قريب من المحسنين، فإذا كانت الرحمة قريبة من المحسنين لم يكن الضم كثيرا، وإذا كان خارجا من حد المحسنين لبث حتى تدركه الرحمة.
وقال أيضاً: "وفي الحديث إشارة إلى أن جميع ما يحصل للمؤمن من أنواع البلايا حتى في أول منازل الآخرة، وهو القبر وعذابه وأهواله لما اقتضته الحكمة الإلهية من التطهيرات ورفع الدرجات، ألا ترى أن البلاء يخمد النفس ويذلها ويدهشها عن طلب حظوظها، ولو لم يكن في البلاء إلا وجود الذلة لكفى، إذ مع الذلة تكون النصرة".
فالخلاصة: أن ضغطة القبر عامة، ولا ينجو منها إلا من لهم خصوصيات، وهى لا تستدعي ذنبا وقع، وتكون شفقة ورأفة على المؤمن الكامل، والذي يجعلها خفيفة هو العمل الصالح بوجه عام.