سألقاكم في الجحيم ... (خآآآآآآآآآآآآآآآآآآآئنة)

.....................................سألقاكم في الجحيم................................

اسمي ممدوح ، شابا مرحا ذكيا طموحا و وسيم .. و عمري 21 طالب اللغة الانجليزية
متفائل أعدو باتجاه الحياة بصدر يملؤه الأمل..واجهت من مصاعب الحياة ونكبات الزمن الكثير فكنت كما الجبال صامدا لا تثنيني الآلام..
في يوم من الأيام وأنا عائد من جامعتي انتبهت لصراخ امرأة يخرج قاسياً: "اخرجي من بيتي ..لا أريدك هنا"..حينها نظرت باتجاه البيت فإذا بفتاة لم يسبق لي أن رأيت بجمالها ، تخرج من البيت مكسورة النفس..وقفت بعيداً أنظر إليها خلسةً وهي بحيرةٍ تلتفت حولها يمينا ويسارا.. وقتها تيقنت من تلفتها أن لا مكان لديها تلجأ إليه، ذهبت إليها راغباً بمساعدتها ، أخبرتها أنني أسكن على بعد شارعين وأنه سيكون مفرحاً لأمي وأختي أيضاً استضافتها عندنا لحين انقضاء أزمتها...ولأن لا مكان لديها تذهب إليه وافقت على اقتراحي.
وهكذا أخذتها لبيتي و تم استقبالها كما لو كانت من العائلة... قدمتها إلى أهلي و قدمتهم إليها و تعارفنا ، كان اسمها (مادلين) ، تبلغ العشرين من العمر، عرفت منها أن التي طردتها من البيت هي زوجة أبيها وأن أزمتها بحاجة لعدة أيام حتى تنجلي غيمتها ، و أنها ستقضي هذه الأيام هنا في بيتنا ، بيني و بين نفسي كنت أتمنى أن تستمر شهور و سنين ...
دعتها أختي لتشاركها غرفتها .. كنت أقتنص كل فرصة تسمح بأن نتحدث ، فتحدثنا كثيراً.. و تسامرنا كثيراً..و ضحكنا..وسرقنا النظرات من الوقت خلسة...كنت أقرأ في عينيها إعجابها بي وإعجابي بها لم يكو يحتاج لقراءة عيون..
و بعد اسبوع حان الوقت الذي كنت أخافه .. حان وقت عودة (مادلين) لبيتها.. ودعتنا وغادرت..
فمرت الأيام ، شعرت وكأنني فقدت جزءاً من روحي.. شعور أخذ ينمو داخلي منذ الساعة الأولى حيث فارقتنا (مادلين)..
ترددت كثيرا قبل أن اكتب أرقام هاتفها وأتصل ..ارتبكت حين سمعت صوتها لكني استجمعت قواي وسألت رؤيتها وكم كانت فرحتي حين أخبرتني أنها كانت بانتظار اتصالي..اتفقنا بفرحةٍ على اللقاء و تلاقينا ..
رأيتها .. سبق الحديث للعين نظرات ، و للقلب دقات ، و للأذن همسات..
كان كل لقاء يجمعنا يزيدني حباً .. ويزيدني بها تمسكاً .. حتى جاء اليوم الذي جمعت به كل جرأتي وأمسكت يداها وقلت بفاه خرج عن سيطرتي : "أحبـــــك"..نظرت إلي وقالت بهدوء أدهشني:"لكني أنا لا أحبك........... ثم ابتسمت قائلة: أنا أعشقك ولو لم تقلها لقلتها أنا".. لم تسعني الفرحة و رغم أننا في الشارع إلا أن فرحتي غصبت علي أن أحملها بين ذراعاي ناظراً للسماء وصرخت بكل جوارحي "أحبــــــك..أحبـــــك..أحبــــــك" ثم نظرت لعينيها دون أن أنطق .. ودون وعي قبلتها على خدها .. لم تكن سعادتي في ذاك اليوم توصف ..كان قلبي يقفز يمينا و يسارا داخل ضلوعي...
عدت يومها لمنزل جاري وزميلي لا بل أخي وصديقي وحبيبي (رامي)..أخبرته بقصتي .. فهو رفيق دربي الذي لازمني 15 عاماً بين كرب وانفراج .. أطلعته على الأحداث وباح له قلبي بفرحته..
كل هذه التطورات كانت في سنتي الجامعية الأخيرة .. وأصبحت أمام خياران..إما أن أطلب (مادلين) للزواج وأما أن أسافر من أجل إكمال دراستي ..وبالطبع كانت يدي بيديها حين أقنعتني بأن دراستي هي الأهم وأنها ستكون بانتظاري مهما أبعدتنا المسافات.. تعجبت لقرارها ، لكني قررت السفر و سافرت..
أربع سنوات في الغربة..أحقق انجازات البحثية و الدافع (مادلين)، أربع سنوات من الألم و الغربة و الوحدة و المرار لم يصبرني على معاناتي إلا صورة لها ورسالة منها تصلني كل 10 أيام و فجأة انقطعت عني رسائلها في الستة شهور الأخيرة ، فعندما مر أول شهر دون رسالة منها ، عرفت أن هناك خطب ما .
مرت أيامي كسنين ، ولكن الله ألهمني الصبر .. أنهيت دراستي واستلمت شهاداتي و عدت لبلدي دون حتى أن أخبر أحداً بعودتي..لم أكن أفكر إلا في (مادلين) ، فذهبت أول ما ذهبت لبيتها ، كنت أشعر بفرحة كل خطوة تقربني من بيتها ، و لما وصلت .. و جدتها جالسة على كرسي بالحديقة التي أمام بيتها ، بخفة وقفت أمامها لأرى ردة فعلها ، لكنها لم تحرك ساكن ، كانت تنظر إلي ولكن لا تراني ..و قبل أن أبدأ بالتفكير جاءت طفلة صغيرة تمسك بيدها و توصلها بحذر للبيت ..صعقت .. قلت ..لا ترى ..إنها لا ترى.هي لا تراني..هي لا ترى..كيف فقدت بصرها؟؟ بهتت ألواني .. تجمدت في مكاني .. رجفت عيني شفقة عليها .. سقطت منها دمعة لم أشعر بوجودها...
خرجت لا أعلم أين تقودني خطواتي حتى وصلت لمنزل صديقي رامي ، صرخت :"رامي..ماذا جرى؟؟لماذا صغيرتي لم تعد ترى؟؟"..
لما رآني ركض باتجاهي حاضنا و مقبلا بحرارة ، لم أبادله الشعور رغم اشتياقي له.. أخبرني أن سيارة قد صدمتها و أفقدتها بصرها ، و أنهم يبحثون عن متبرع لسائل العين حتى يعود لها بصرها .. فقلت: هيا بنا للمشفى فالمتبرع موجود ، حاول أن يثنيني ، أن يصدني ، يرجوني .. و لكن لم يفلح .
ابتسمت و قلت: أنا لا أريد عيونا ترى صغيرتي (مادلين) تعيش دنياها حزينة..يكفيني أذن تسمع ضحكاتها ويكفيني أنف يشتم عطرها.. يكفيني من الدنيا فم يحاورها ..هيا بنا ، أم أنك تريد أن يضل صديقك طريق العودة؟!!.
فذهبنا و قابلنا الطبيب المعالج لحالة (مادلين) وأخبرته بنيتي في التبرع...لكنه اندهش عندما علم بعودتي حالا من الخارج حاملا شهادةً عليا وبدأ يذكرني بالمستقبل الذي ينتظرني من مال ومكانة اجتماعية عالية و مغريات لا تحصى ..أنا لا ألومه وصديقي فهما لا يعلمان أن (مادلين) هي الحلم الجميل في حياتي.. فان ضاع حلمي ، كيف أهتم لحياتي..
طلبت من الطبيب ألا يذكر اسم المتبرع لأحد ، تركني وغادر و رامي الغرفة لأجهز نفسي للعملية..وقفت أمام المرآة وحدي أنظر بتمعن لوجهي و أعلم جيداً أنها المرة الأخيرة التي أرى فيها تلك الملامح..نطقت دقات قلبي تواسيني:"لا بأس..غداً بالتأكيد سيكون أجمل وحبيبة قلبك ستكون بين أحضانك الأسعد"..
غيرت ملابسي وبقلب ثابت توجهت لغرفة العمليات..لأستيقظ في اليوم التالي وأرى الدنيا فقدت ألوانها واختارت السواد.. أمسك صديقي رامي بيدي يساندني و يخبرني بنجاح عمليتها ، وأوصلني لبيتي الذي لم أغادره بعدها لأسبوع كامل ، أسبوع أعيش فيه عواصف متضاربة المشاعر بين شفقة عائلتي وحسرة أمي واشتياقي لحبيبتي ..
عقدت العزم بعدها على التأقلم مع عالمي المعتم .. كنت أخطو خطواتي و أنا أتخيلها تركض من بعيد نحوي ، تهمس باسمي ، تبتسم لي ، تحضنني ، ولما أقفل ذراعاتي عليها لأحضنها ، لا يوجد شي بين ذراعاتي ، فأحضن نفسي..

..كنت أمشي وأسمع خطوات ، لا اعلم من يأتي و من يذهب و من يمر بي .. كنت أسمع من همسات الناس عني :"أنظر ..أليس هذا ممدوح!! صاحب الشهادة العليا!!يا لهذه الدنيا كيف لعبت بأقداره!!كيف كسرته ، كيف أذلته!!" .. كانت همسات تجلدني بقسوة ، تزلزل كياني ، كنت أغرق في ظلمات تفكيري ، كنت أظن أنني خطفت و جردت من زماني .. لتأتي منقذتي تضمني لصدرها بحنان و تمسح على رأسي هامسة:"اشتقت إليك" .. ثم تسرقني من ظلماتي و تعيدني لزماني .. و لما أعود ، أتساءل أين هي ؟؟لماذا لم تسأل عني ؟؟ لماذا لم تفكر بزيارتي؟؟ .. أحسست بخوف من أسئلتي ، و من الإجابة على أسئلتي ، فذهبت و نمت ..

و استيقظت في اليوم التالي نشطا .. فرحا.. كنت أشعر أن شي جميلا سيحدث اليوم .. أن يومي سيكون سعيدا .. ارتديت نظارتي السوداء و أمسكت بعصاتي التي أتحسس بها الطريق و جلست على كرسي أمام بيتي تحت شجرة الظل و ازا بشاب يسألني:"ممدوح موجود؟" فأجبته :"أنا ممدوح" فقال: لك جواب ، أعطاني الجواب و ذهب ..انتظرت لبرهة عبور أحدهم وطلبت منه قراءة محتوى الجواب .. أخبرني الرجل:"هذه دعوة لحضور حفل زفاف...فسألته عن اسم العريس فقال:"اسمه رامي" ابتسمت ، ولكن قلت في نفسي مبروك يا صديقي و لكني سأعاتبه لأنه أرسل لي جواب كما لو أنني غريب .. ثم عدت للرجل وسألته:"وما اسم العروس؟" فأجابني :"اسمها (مادلين)..حينها توقف النبض في قلبي ودار الكون كله حول رأسي وصرخت بأعلى صوت لدي " كاااااااذب ..مستحيل أن تكون (مادلين).." فرمى الرجل الجواب و ذهب ، ركعت و أنا أرتعش أتحسس و أبحث عن الجواب حتى وجدته ، و وقفت ، ألقيت بنظارتي و عصاتي بعيدا

وركضت كأنما اهرب من قدر ٍ إلى قدر...أخذت أركض لا أعلم في أي اتجاه..تعثرت ووقعت..ثم نهضت وتعثرت ووقعت وسال الدم من وجهي لكني مازلت أركض هاربا من أفكاري ..من خيالي..من آلامي ..ركضت وأنا أجهش بالبكاء...صارخاً بأعلى صوتي:
" لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
لااااااا .. لماذا .. لماذا يا رامي لماذا..........
لا مستحيل أن تكون حقيقة .. أنت أخي .. أنت سندي..أنت ظهري
لماذا اخترت بيديك طعني؟؟!!...
لقد خبأتك للزمان حين يظلمني ..
يرحمني الزمان و أنت تظلمني...
كنت في ركضي أصطدم مرة بحائط وأخرى بعمود وثالثة برصيف و رابعة بحجر حتى سال الدم من كافة أنحاء جسدي كانت دموعي تسابق في غزارتها دمائي ، حتى أوقفوا الناس ركضي ، سألوني عن اسمي ، كانت الصدمة أقوى مني ، نسيت اسمي ، كل خلية في جسدي تصرخ ألما ، لم اعرف ما اسمي أو من أنا ، لا اعرف سبب دموعي ، قال بعضهم مجنون .. أنا لا ألومهم ، أمامهم شاب أعمي البصر و البصيرة.. يركض لا يعلم أين يذهب .. ملابسه ممزقة .. ملطخة بالدماء .. قد نهشت جدران المباني و أرصفة الشوارع لحمه .. فركعت و وجهي للأرض ، أسمع صوت تصادم قطرات دموعي و دمائي بالأرض ،و قلت: فعلا مجنون ، و أي مجنون لا يستحق الحياة ...

و ها أنا اليوم اكتب قصتي ..

في يميني قلمي .. في شمالي سكيني ..

و ما أن أضع النقطة لنهاية قصتي ..

سأضع سكيني في صدري لأنهي حياتي ..

و كل ما أتمناه من ربي ..

أن لا تلطخ دمائي كتاباتي ..

ولتهنئوا من بعدي...........

سلامي ...