صورة في القرن الواحد والعشرين، ما أدهشها من صورة، وما أغربها من صورة، حتى وصلت إلى درجة البشاعة، صورة مجردة من كل معاني الإنسانية،لم تشاهد من قبل ، ولم نعتد على مشاهدة في أي دولة من دول العالم، فيا ترى ما هذه الصورة،إنها صورة حقيقية رسمت في قطاع غزة، وما أدراك ما قطاع غزة، قطاع غزة الذي أصبح يمثل قطاع شبه معدوم،قطاع حكم عليه بالموت البطئ، ولعل هذه الصورة التي أتحدث عنها وان صح التعبير على أن أطلق عليها اسم صورة ، فهي صورة الموت الذي يلازم غزة في كل لحظة، فهي تحدث عندما نموت ونحن في انتظار سيارات الإسعاف أو أي وسيلة نقل أخري حديثة للأسف لن ولن تجد الان في غزة حيث عادت عقارب الزمن إلي أوائل القرن العشرين ،إنها الصورة التي لاتريد أن تفارقني صورة طفل يصرخ ويتألم بعد سقوطه من الدور الرابع ولم يجد والده وسيلة مواصلات لنقله إلي المستشفي التي تبعد 10 كيلو متر عن منزله ، وحمل ابنه علي دراجته الهوائية تلك المسافة وهو يصرخ ويتألم وفي وضع مأساوي وبعد عناء وصل الوالد إلي المستشفي وهناك رايته علي باب الطوارئ وصرخت في وجهه وقلت له أنت مجنون ابنك مكسور وتنقله علي دراجة ، فبكي الرجل وقال وقفت أكثر من ساعة انتظر مرور سيارة دون جدوى ، واتصلت بأكثر من سيارات الإسعاف التابعة لمعظم مستشفيات خان يونس دون جدوى ،فاضطررت أن انقل ابني علي دراجتي هذه المسافة
وتصوروا معي إذا كان إصابة الطفل بسيطة بعد تلك المسافة والطريقة الخاطئة التي تم نقله بها وما هي مضاعفاتها
ثواني معدودات وصورة آخر أكثر قسوة وبشاعة تدمي القلب وتقشعر لها الأبدان ، صورة امرأة مسنة في عقدها السابع وهي ممدة علي عربة يجرها حمار ،وقفت أمام باب الطوارئ في مستشفي ناصر بخان يونس ،اقتربت من ابنها وسألته عن حالتها، فقال أن والدتي تعاني من انسداد في الشرايين ،وحالتها صعبة جداً ، فوجئت أنها تتنفس بصعوبة ،اتصلت بالإسعاف لكن للأسف جاء الرد مفيش سولار، حاولت أن أنقلها إلى المستشفى بأي وسيلة أخري ،وقفت أكثر من نصف ساعة أنتظر سيارة دون جدوى ، ولم أجد مفراً إلا الموافقة علي اقتراح جاري أن ينقلها علي عربة حماره،وأضاف انه يسكن في منطقة قزان النجار وهي تبعد مسافة سبع أو أكثر من الكيلومترات وانه طوال الطريق خائف أن يفقد والدته.
أنا عن رسالته التي يوجهها الي كل العالم الحر ان ما يحدث هو جريمة في حق الإنسانية وعلي شعوب العالم ان يتحركوا قبل ان نودع أحبابنا واحد تلو الأخر نتيجة التقلص الحاد للغذاء والدواء والسولار.
تلك الصورة هي صورة نموذج مصغر جدا لحجم المعاناة والمأساة التي يعيشها قطاع غزة الموت البطيء بأقل ما يمكن ،والسؤال الذي يطرح نفسه إلي متى ستبقي تلك الصور المأساوية ؟والي متى سيبقي العالم المتحضر مشاهدا دون ان يحرك ساكنا؟