على غير عادتها، أفردت صحف الرباط في اليومين الماضيين حيزا وافرا على صدر صفحاتها الأولى وكذا الداخلية لقضايا الفن والفنانين، ساعية بذلك التخفيف من وطأة معاناة الناس مع معيشهم اليومي الذي يزداد قتامة يوما بعد يوم.
ووجد عضوان من الحكومة المغربية الوقت لحضور حفل غنائي أُقيم في إحدى ساحات مدينة أغادير السبت المنصرم، يتعلق الأمر بعزيز أخنوش (وزير الفلاحة والصيد البحري) ومحمد بوسعيد (وزير السياحة) بالإضافة إلى والي المدينة رشيد الفيلالي.
وإذا عُرف السبب بطل العجب، ذلك أن نجمة ذلك الحفل كانت هيفاء وهبي التي غنت ببذلة 'سهرة الليل القصيرة، المثيرة بزرقتها الفاتحة، وصدرها الناهد'؛ والوصف لصحيفة 'الأحداث المغربية' (المعروفة بتوجهها الحداثي) التي استفاضت أيضا في وصف الوقع الذي تركته هيفاء بمظهرها ذاك في 'شبان آخر الليل'، حيث 'تعالت وتيرة صفير مئات الشباب، وبدرت من المتدافعين في لحظة انتشاء عبارات جماعية للتأثير على معنويات هيفاء وهبي، غير أن قوة المكبرات وأصوات حوالي 80 ألف متتبع انتصرت على الشعارات ذات المعاني الخادشة'.
صحيفة 'التجديد' المقربة من حزب 'العدالة والتنمية' (الإسلامي المعارض) لم تفوّت الفرصة فعلّقت على ذلك الحفل الذي أعطاه المنظمون شعار 'التسامح' بالقول: 'هيفاء وهبي التي جاءت إلى هذا المهرجان ممثلة لشعوب جنوب البحر الأبيض المتوسط، أعطت نموذجا واضحا للمعنى الذي يتمثل به البعض مفهوم التسامح، إذ لم تكن تلبس إلا ثياب النوم'. ونقلت عن أحد المعلقين قوله 'كاميرات التلفزيون المغربي خجلت من الاقتراب كثيرا من الجسد العاري أمام الجمهور'.
ويثير مراقبون مفارقة جديرة بالتأمل: فبينما تُستقدم هيفاء وهبي لتمثل شعوب المتوسط بتلك الصورة (حسب تعبير الصحيفة المذكورة)، تناقلت مصادر إعلامية خبر منع الفنان الكوميدي الفرنسي، الافريقي الأصل، 'ديودوني مبالا مبالا' ـ المعروف بأفكاره المعادية لإسرائيل وللسياسة الأمريكية ـ من إحياء حفل فني بالمغرب كان من المقرر أن ينظم نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل بالمجمع السينمائي لمدينة الدار البيضاء.
وفتحت صحيفة 'الصباح' ملف فتيات مغربيات يهاجرن إلى المشرق العربي بصفتهن 'فنانات' أو 'راقصات'، ولكنهن يمارسن هناك الدعارة. واستشهدت الجريدة بقضية شابة غادرت المغرب للعمل بالعاصمة اللبنانية كـ'فنانة'، قبل أن تعود إليه في صندوق خشبي بعد أن عُثر على جثتها قرب الفندق الذي كانت تقيم فيه بـ'شارع الحمراء' وهي تحمل جروحا وكدمات في أنحاء متفرقة من جسدها. ولفتت الصحيفة نفسها الانتباه إلى أن هذه القضية من شأنها أن تعيد فتح ملفات أخرى لقيت فيها فتيات مغربيات حتفهن بعدد من دول الخليج والشرق العربي في دول غامضة.
وكانت مملكة البحرين قد طردت قبيل رمضان المنصرم حوالي 500 'فنانة' مغربية، ما أعاد السؤال حول الجهة التي تمنحهن هذه الصفة في المغرب والوثائق التي تُسلم لهم لهذا الغرض، كغطاء لمزاولة البغاء في بلدان المشرق.
وفي سياق مشابه، نشرت صحيفة 'الأحداث المغربية' تحقيقا حول 'نجمات الليلية الإسبانية'، قاصدة بذلك مجموعة من المغربيات اللائي هاجرن إلى الضفة المجاورة واحترفن رقص التعري (ستريبتيز) أو تحولن إلى مومسات يعرضن أجسادهن بـ130 يورو للساعة.
وقالت الصحيفة ذاتها إن بعض المغربيات هناك أصبحن ينافسن البرازيليات والأرجنتينيات والرومانيات وأخريات من بلدان جنوب إفريقيا، بل تفوقن عليهن في 'مهنتهن' بالنوادي الليلية الإسبانية.
وبعيدا عن لغة الأجساد، أوردت صحيفة 'الصباح' أخيرا تقريرا عن هجرة فنية مضادة يعتزم المطرب اللبناني رامي عياش القيام بها باتجاه المغرب، حيث أنجز به عددا من المشاريع الاستثمارية عبارة عن مطاعم لبنانية، كما أسس شركة إنتاج فني تُعنى بالبحث عن المواهب الغنائية وتشجيعها.
وكعربون وفاء ومحبة للمغرب توّج رامي تلك الخطوات بتسجيل الأغنية المغربية الشهيرة 'صوت الحسن' وإعادة توزيعها بشكل جديد. لكن فرحة الفنان اللبناني بهذه 'الملحمة الغنائية' لم تدم طويلا، إذ سرعان ما هب كاتب كلمات الأغنية وملحنها، متهميْن رامي بالسطو على تلك الأغنية التي أنجزت في خضم الحماس لحدث 'المسيرة الخضراء' (مسيرة شعبية تمت بقرار من العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني من أجل الضغط على إسبانيا لرفع نفوذها عن الصحراء عام 1975).
وسجل المعنيان بالأمر شكوى لدى 'المكتب المغربي لحقوق المؤلف' للنظر في الموضوع، والحال أن تلك الملحمة ـ كما قال أحد المعلقين ـ لم تعد مِلكا لمبدعيها، وإنما هي مِلك للشعب المغربي بأسره الذي غناها وما زال يتغنى بها إلى يومنا هذا.