ماتت في الحياة ( قصة رائعة ) وتحمل الكثير من الألغاز

نزيف الدم من عينيها لونه أحمر ليس قاني وليس أحمر وردي وكذلك ليس أحمر مزرق، نزيف الدم في عينيها لونه ميت، لبست عباءتها المغبرة من طول الطريق، حملت بيدها شيء لا تعرفه، خرجت ... الطريق ليست هي التي عششت في ذاكرتها، وهؤلاء ليسوا هم، الصور في عقلها تتناثر وتتباعد وتصطدم ولا تفيق إلا على صوت سيارة أجرة بلون أصفر وسائق يركلها بكلمتين في عقرها... لم تفهمه... اللغة التي تعرفها هي كذلك ليست هي...
هل تسير أكثر... عباءتها تلف حولها في حنق، سلك شائك في الطريق يعاقب العباءة فيمزقها ولا تشعر به، شيء كانت قد شعرت به مرة ربما لزج أو لا تعرف يتسحب بخفية وخفة تحت بنطالها البالي حتى يصل لقدمها لونه غريب تنظر إليه ما الذي أتى بك هنا وكيف، ذلك الشائك الخبيث قد ضرب ساقها بعنف فأدماه لم ...
تتقاذفها الأرصفة والشوارع السوداء، أصوات الباعة والمارة تتعالى صخب في كل مكان، نزيف الدم في العينين يزداد، امتزج بلون أبيض طعمه ملح يسيل على وجنتيها المقشفة المتعطشة وينحدر لذلك الفم المفجوع المصدوم يصل الحلق وتبتلع العلقم، تستيقظ لبرهة قصيرة، لون البندورة الحمراء على الرصيف يشبه لون ساقها، تحملق بها بضعفها وضياعها، تزمجر كلمات سب من فيه تلك البائعة العجوز، تحملق بنحت الزمان على وجهها فتغيب ذاكرتها من جديد، الضعف يسري في جسدها والوهن يغتال قامتها فلم يبق الكثير حتى تسقط، تلف وجهها الصور تقترب أكثر البندورة والخيار والفلفل تضرب أسماءه عقلها بهراوات تفقدها ما تبقى من الذاكرة، أبواق السيارات كلها توجه صوبها الشتائم تنهال عليها نزف شديد في القلب يلتحم من نزف العينين والساقين الضعيفتين والقدم الغارق في دمه يتهادى، لا تتذكر شيء ، تسقط أرضاً ، تغار عباءتها فتلفها بقوة فتفصل جسدها المصدوم على الأرض يتعرى قليل من ساقها المدمي والآخر، تصرخ إحدى البائعات، المرأة تنزف استدعوا الإسعاف، يتسابق الباعة والمارين والمشاة لينظروا المرأة التي سقطت في السوق، إحداهن تسأل هل ماتت؟ جسدها الملقى على الأرض يرد بقسوة لا ... تريد أن تستيقظ، جسدها يريد أن يستفيق، يفتح عينيه ينهمر النزيف الميت فيسيل حتى يصل أذنيها فيصمهما، وتغيب عنها كلماتهم، بائع آخر يقول يبدو أنها حامل وحدث لها نزيف، والآخر يغمزه هي حائض يا رجل، يحمد الله قلبها أنها قد صمت، وتلك المرأة تدعي أنها تزحلقت في حبة بندورة، الأجهزة الخلوية المحمولة كلها تضرب رقم الإسعاف، ويأتي المسعفين يحملونها يتحرك جسدها قليلاً، يتنافر القلب والعقل معاً لتكن هي الضحية الأولى بينهما، فتؤثر الموت على الصراع ... تفتح قلبها بعمق لتقول لجسدها (كنت يوماً أحب الحياة)... رجل الإسعاف يقول يا الله ... ماتت المرأة ، يعلو صوت الإنذار من الإسعاف لكنها هذه المرة لا تستجيب لشيء لأنها اليوم عرفت معنى الحياة...