لو حلمنا ... ممكن نموت !

بينَ لذةِ الحياةِ و ضنكِ العيشِ و بينَ متعةِ الخيالِ و ألمِ الحقيقة
يأتي بينهما ميلادٌ مشرقٌ و رحيلٌ مظلم يتبعهما أرواحٌ تأتى و أرواحٌ تذهب
- تذهبُ مدبرةً بلا رجعة - منهم من قطعَ دربهُ مسرعاً و منهم من تباطأتْ
خطواته ، و علي جنباتِ الطريقٍ أناسٌ لم يُـكملوا الرحلة ،،،
فتأتى الإحصائية " محافظة القاهرة شهدت في العام الماضي 14 ألف حالة
انتحار ، وأن معظم الحالات لشباب وفتيات في المرحلة العمرية ما بين 15 و25
عاماً "
و بلغ عدد المنتحرين الذين وصلوا إلى مركز سموم جامعة عين شمس في العام
الماضي عشرة آلاف و816 منتحرا يمثلون نسبة 40% من الحالات المرضية التي
يستقبلها المستشفى بشكل عام !
و الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته ، و يرى آخرون
أنه قتل النفس تخلصاً من الحياة التي وهبها الله لعباده ، و يحلل فرويد
الانتحار بأنه عدوان تجاه الداخل ثم قام عالم آخر بتعريف ثلاث أبعاد
للانتحار هي رغبة في القتل ثم رغبة في الموت ثم رغبة في أن يتم قتله ، و
آخر وضح بان الانتحار يختلط به عدد من الأحاسيس منها الانعزال و اليأس
والاكتئاب ويشعر بألم انفعالي لا يطاق ولا يوجد حل سوى الانتحار ، بحيثُ
يقوم الفرد بقتل نفسه عمدا وذاتيا ، وأكثر الطرق شيوعا هي الشنق ثم القتل
بالسلاح الناري أو بتعاطي أشياء قاتلة إما بطبيعتها كالسُـمّ أو غير قاتلة
بطبيعتها و لكن بالإفراط في تعاطيها كالعقاقير .
وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعالله شجاعة الشخص المنتحر ، أم جبنه وانعكاس لفشله .
حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب
والفصام والإدمان ، و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة
المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض
الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالعمليات
الانتحارية و أخيراً الفشل في تحقيق طموحٍ ما .
و ترجع أسباب الانتحار إلي أسبابٍ عدَّة :
تجمع الدراسات في تحليل أسباب الانتحار على وجود أسباب كثيرة ومتنوعة
تختلف باختلاف الأفراد واختلاف البيئة الاجتماعية والظروف التي يعيش فيها
الفرد ، ويتبين من هذه الدراسات أن أهم الأسباب التي تدفع إلى الانتحار أو
محاولة الانتحار أشار إليها د / عبد اللطيف محاليقي هي :

أ - أسباب عائلية مثلَ التفكك الأسري
ولقد استأثر الاه في دراسة الأسباب العائلية بمشكلة غياب الأب
انطلاقاً من فكرة أن سلطة الأب وعاطفة الأم هما الركنان الأساسيان في
توازن العلاقات الأسرية .
فالسلطة ليست قمعاً دائماً ، بل هي أيضا سند ودعم عاطفي - فالأب الذي لا
يعرف إلا القسوة ، ولا يستطيع تأكيد ذاته إلا من خلال الصراخ والعقاب
الجسدي لا يمكنه أن يفرض السلطة العادلة والثابتة ، فينشأ الأبناء على
فكرة السلطة القاسية والقمعية ، وعندما يصلون إلى مرحلة المراهقة فإنهم
يستجيبون بطريقة عدوانية مماثلة .
ب - أسباب اجتماعية : تظهر الدراسات على أن مستوى الأسرة الاجتماعي و
الاقتصادي والمستوى الثقافي ليس لهما تأثير كبير في دوافع الانتحار ، فلقد
تبين من هذه الدراسات إن الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار ينتمون إلى
جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل متعادل ، وهناك أسباب
اجتماعية فسرها عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم حيث فسر الانتحار بسبب
تكسر الروابط الاجتماعية والانعزال ، وقد تؤثر عوامل الضغوط النفسية وعدم
القدرة على كبحها وخاصة الفقر والبطالة ، و لكن يرجع السبب الأساسي و
السبب الاجتماعي الأكثر تأثيراً إلى الفشل الحياتي الذي يعيشه الشخص كجرح
نرجسي عميق في حياته مثلاً .

وقد تكون هناك أسباب أخرى مثل ضعف الضمير وعدم القدرة على التكيف مع
المجتمع وهنا تظهر فكرة إريك فروم حول الانتحار حيث الصراع بين الداخل
والخارج وعدم الالتفات للعوامل الحضارية الاجتماعية ، قد تباينت الردود
على الانتحار ففي الهند واليابان يكون الانتحار مصدر شرف عندما تحترق
الزوجة بجانب زوجها الميت أو مثل طياري الكاميكازي الانتحاريين وبعض
المجتمعات تجعل الانتحار كجريمة وخطيئة لا تغتفر ، ويوجد أيضاً للانتحار
أسباب عضوية منها الوراثة أو نقص السيروتونين .
و يحرم الإسلام قتل النفس بأي حال من الأحوال ويشير إلى أن حياة الإنسان ليست ملكاً له وبالتالي لا يجوز التحكم فيها .
فالانتحار محرم في الإسلام لقول الله تعالى في القرآن الكريم : " يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ
تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً "
(النساء:29) ، فالنفس ملك لله وليس لأحد أن يقتل نفسه ولو زعم أن ذلك في
سبيل الله .
أيضاً جاء في السنة المشرفة ‏قول رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ " ‏من
قتل نفسه بحديده فحديدته في يده ‏ ‏يتوجأ ‏ ‏بها في بطنه في نار جهنم
خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو ‏ ‏يتحساه ‏ ‏في نار
جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن ‏ ‏تردى ‏ ‏من جبل فقتل نفسه فهو ‏ ‏يتردى
‏ ‏في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " .
و هنا حالات انتحارية مصرية من صميم الواقع تنبئُ عن أناسٍ كانت لهم
أهدافاً و أحلاماً و باءت جميعها بالفشل مما حدا بهم إلي اللجوء للانتحار :
انتحار نقيب شرطة في الشرقية ، والتحريات تعيد السبب للأسرة وضغوط العمل .
انتحار فتاتين - الأولي تناولت سم فئران ، والثانية شربت زجاجة زيت شعر ، و ذلك لخيبةِ أملِهنَّ في تحقيقِ أحلامهن .
القي بنفسه في النيل لعدم قبوله بإحدى الهيئات القضائية بسبب فقره و أن والده " فلاح بسيط " .
لقي شاب 29 عاماً مصرعه في المنيا ألقى بنفسه من الدور الرابع ، بعد
مشاجرة مع زوجته بسبب عجزه عن شراء مستلزمات أسرته من ومتطلبات البيت .
مهندس مصري يقتل زوجته و أولاده و يحاول الانتحار خوفاً من الفقر ، و
خوفاً ألا يحقق لهم العيشَ الرغد الذي طالما كانوا يحلمونَ به بعد خسارته .

و أخيراً : انتحار طبيب امتياز بإلقاء نفسه في النيل بعد فشله في العثور علي عمل كانَ يرغبه .

تلك هي صوراً فعلية لقصص انتحارية وقعت خلالَ سنةٍ واحدة فضلاً عن غيرها و
فضلاً عن حالات لمحاولات انتحار لم تحقق نتيجتها المرجوة ، و أغلبها كانت
نتيجة لفشلٍ ذريعٍ في تحقيقِ حُـلمِ مُعين - فيا ليتهم ما حَـلِـمُوها !
قال أحد الفلاسفة لتلاميذه : إذا ما حلمنا من الممكن و أن نموت !
قالوا : كيف هذا ... و يقالُ أننا لو كففنا عن الأحلامِ نموت ؟
قال : لو لم يتحقق الحُـلم - من الممكنِ أن نموت !!!
منذُ بدء الخليقة و الأحلام تداعبنا تجري و نلهثُ ورائها ، منذُ آدمَ عليه
السلام الذي حَـلِمَ بالمُـلكِ و الخلود و إلي حُـلم الأسوَد برئاسة
الولايات و حتى تقومَ الساعة ، فالأحلامُ جزءٌ من حياتنا تولدُ بميلادنا و
تنتهي بانتهائنا تعيشُ معنا ليلَ نهار تسبقنا و تسبحُ في الخيالِ و نحن من
ورائها نسعى لإدراكها بأيةِ طريقة ، الكلُ يسبحُ في الخيالِ و يحلم بدءً
من حلمِ الطفلِ بالدراجة مروراً بأحلامِ العذارى بشريكِ العمر و حتى صعودِ
قممِ الجبالِ و الفضاءِ من الكثير ، لكن لا يجب أن تصل بنا تلالله الأحلام
إلي حد التفكير في المستحيل و هو الحلم المطلق الذي لا قيودَ له ، فيجب أن
تكونَ أحلامنا موافقةً لقدراتنا و طاقاتنا و لا تصل بنا في أي حالٍ من
الأحوالِ إلي حد التفكير في الانتحار إذا لم تتحقق كما فعلَ البعض ، فلابد
من إدراكِ الواقع و التفكيرِ فيه و النظرِ إلي تطلعاته و مدي كونِ واقعكَ
هذا موافقاً لأحلامالله من عدمه أو العالله بالنظر إلي مدي موافقةِ أحلامكَ
لواقعك .
فـ شتانَ بينَ الحُـلمِ و الواقع فالفارقُ بينهما جَـدُّ عظيم - تري
الحُـلمَ لا يُـنفقُ فيه مالٌ و تراهُ لا حدودَ له ، و غالباً ما يكونُ
موافقاً لأهوائالله و أمنياتك - علي خلافٍ جادٍ مع الواقع فكثيراً ما يكونُ
مؤلماً مُعانداً نتكبدُ الكثيرَ للتوائم معه و الرضا به ، و أخيراً فهو
محدودٌ للغاية .. محدودٌ بحجمِ قدراتنا و طاقاتنا و إمكانياتنا .
فلو عاشَ من أقدموا علي الانتحارِ بواقعيةٍ و لم تكن أحلامهم متسعةً عليهم
و لم يبالغوا فيها حدَّ الخيال ما أقدموا علي ذلك أبداً ، و لو علموا أنَّ
كلّ مقدرٍ كائنٍ و أنَّ كلّ أمرٍ بيدِ الله ما فكروا في الانتحارِ أبدا -
و لتكن خاتمتي هنا نُصحي بمقولةٍ ورثـتها عن أبي تقولُ " ما كانَ لالله سوفَ
يأتيكَ علي ضعفالله و ما كانَ لغيرالله لن تأخذهُ بقوتك " ، و أخيراً عِـشْ
بواقعية - فلسنا في أرض الأحلام !
1 - أسباب ظرفية : يمكن ربطها بالأحداث التي يعيشها المنـتحر ، انطلاقاً
من الأحداث البسيطة إلى الأحداث الأشد خطورة ، وهي تتعلق في أكثرها بنظام
العلاقات القائمة بين المنتحر وأهله من جهة ، وعلاقاته بالآخرين من جهة
ثانية ، كـرفض الأهل تحقيق بعض من متطلباته ، و قصور الأهل المادي لشراء
ما يرغب به ، المشاحنات مع الرفاق ، الفشل الدراسي ، انهيار وضع الأسرة
الاجتماعي أو الاقتصادي ، فقدان شخص عزيز خصوصاً الأب أو أحد المقربين ،
علاقة فاشلة مع الجنس الآخر و تعد تلك هي من أهم الأسباب الدافعة إلي
الانتحار من الناحية العملية .
2 - أسباب اجتماعية : يمكن تصنيفها إلى نوعين :
3 - أسباب نفسية : و تلك هي أهم الأسباب الدافعة إلي الانتحار و ترجع إلي
دواعي و أسباب نفسية كـالكآبة و عدم الرضي المستمرين و العميقين و قد يظهر
أثرهما بصورة ثابتة و شكل ظاهر علي الفرد مما يدعوه إلى الانتحار ، و
غالباً ما تنشأ هذه الأعراض نتيجة فشله في الوصول إلي طموحٍ ما أو تحقيقِ
حُـلمٍ معين ، وهذه الاضطرابات ليست بالضرورة اضطرابات مكثفة ، فيمكن أن
تظل خفية ، ولكنها في الواقع متجذرة و بعمق ، وأحياناً تأتى نتيجة
الإحباطات المتلاحقة و التي يمكن أن تأخذ شكل النقد الذاتي و كراهية النفس
و بالتالي تؤدي إلي عدم الرغبة في العيش و الميل نحو مفارقة الحياة .
albino