أمام هذا الحدث الجلل والخطب العظيم الذي جرى في قطاع غزة المحاصر, فإننا نقف هذه الوقفات:
1- لقد وعدنا الله عز وجل ومن أصدق من الله حديثا، ورسوله الصادق المصدوق
بالنصر والتمكين والغلبة لدين الله في كل مكان، إلا فلسطين المباركة فقد
وعدنا فيها بوعد خاص، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى
تقاتلوا اليهود فيقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي
تعال فأقتله، إلا الغرقد فانه من شجر اليهود" أخرجه البخاري.
2- المؤامرات على فلسطين ليست وليدة اليوم، بل هي معركة طويلة الأمد
يقودها أشد الناس عداوة ويقف معهم أطراف متعددة من الداخل أو الخارج، وإن
حجم المؤامرة وما يرصد لها إعلاميا وسياسياً وعسكرياً لتزول منه الجبال،
ومع هذا فإنا لا نرى إلا قوة للصحوة وللمجاهدين، ويقف العقل البشري ـ
سواءً من المحب أو العدو ـ عاجزاً عن التفسير، ولا تفسير لهذا الصبر
والثبات وتحطم المؤامرات سوى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال
طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة،
حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: بأكناف
بيت المقدس" أخرجه الإمام أحمد.
3- يجب أن ندرك جميعاً شعوباً ومسئولين أن العدو الصهيوني لا يستهدف حماس
وحدها أو الشعب الفلسطيني، بل إن أطماعه تمتد لتطال الدول العربية، ولعلنا
نكتفي بالإشارة إلى العملة الصهيونية الرسمية المتداولة في جميع البنوك
العالمية والتي طبع عليها صورة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" والتي تضم
فلسطين، ومصر حتى النيل، والعراق حتى الفرات، والأردن، ولبنان، وسوريا
والكويت، وأجزاء من شمال السعودية حتى خيبر. أما على الصعيد العقدي فقد
أخبرنا بهم العليم الخبير: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..}، وإن مشهد شهداء
المجزرة في لحظات احتضارهم مكبرين ورافعين للسبابة متشهدين (أشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) يظهر جانبا من تربية أولئك الأبطال،
كما يظهر حقيقة المعركة، كما أن قصف المساجد، بل ومهاجمتها في الأيام
الماضية وسب الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر حقيقة الصراع وأبعاده وأهدافه.
4- اليهود والصهاينة كانوا في الماضي يملكون صناعة بداية الحدث ولديهم
القدرة على صناعة نهايته، ولكنهم اليوم وإن كانوا لا يزالون يملكون القدرة
على صناعة البداية لكنهم لا يملكون النهاية, بل وليست لديهم القدرة على
تحمل تبعات ونتائج أفعالهم، وستحمل الأيام القادمة شيئاً من نتائج تلك
الجرائم، وأما الفساد فهو خلق ملازم لهم عبر تاريخهم، قال تعالى:
{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ
فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
5- لم يبق أي شرعية أو عذر أو مبرر أو غطاء يتستر به أولئك المتآمرين مع
الاحتلال في الضفة الغربية أو غيرها، الذين طالما وصفوا الصواريخ
بالعبثية، وسفن كسر الحصار باللعبة السخيفة، والقائمة السوداء لأقوالهم
وأفعالهم طويلة، ولعل ما كشفه الأستاذ محمد نزال في برنامج (بلا حدود)
الذي عرضته قناة الجزيرة يوضح أن خطر هؤلاء ليس مقتصراً على الشعب
الفلسطيني، بل على الأمة العربية والإسلامية في كل مكان، وربما نحن بحاجة
لتنشيط ذاكرة البعض ونذكرهم أنهم هم من نقل معركة فلسطين إلى خارجها تارة
بالأردن وأخرى في بيروت وغيرها، وهم من بارك وساند حزب البعث عندما احتل
الكويت ليرجع بالقضية الفلسطينية عشرات السنين للوراء، ويزيد من مأساة
الشعب الذي وقف ضد الغزو العراقي،كيف لا! وهو من عانى مرارة الاحتلال، فهم
بأفعالهم تلك أصبحوا جزء من المشكلة وليس جزء من الحل.
6- لا يمكن اعتبار حركة فتح بمجملها عميلة للاحتلال أو أن نتجاوز تاريخها
وتضحيات أبنائها العظيمة، لكننا لا يمكننا كذلك اعتبار المشروع الحالي
للحركة والقيادة الحالية لها قيادة وطنية، كما لا يمكننا أن نتحدث عنها
وعن حماس ونضعهما في سلة واحدة، ليس من سخر بالله ورسوله ودينه، كمن يدافع
عن دين الله وسنة رسوله، وليس المشروع العلماني كالمشروع الإسلامي، وليس
من ساند الاحتلال ونسق معه كمن قاتله وقاومه، وليس لون الخمر ورائحته كلون
دماء الشهداء وعبقها، وليس من كان وصوله للكرسي يعني المال والجاه، كمن
يكون وصوله للكرسي يعني أن يكون في قائمة الاغتيال وهدفاً للطائرات
الصهيونية.
7- لا يعني أخذ الدعم من طرف ما أن حركة حماس أصبح مذهبها كمذهب ذلك الطرف
أو ذاك، ألم يدخل رسولنا صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي وهو من
المشركين، كما أن الحركة لها مرجعياتها الشرعية التي تلتزم بآرائها
وفتاويها، وتدرك خطر تلك الأطراف وليست المشكلة في التعامل معها, لكن
المشكلة في كيفية التعامل معها أو التأثر بها وهو ما لا نراه على أرض
الواقع، بل على العكس، ولكن المصلحة الحالية تقتضي أن نقف ونتعلم فقه
مرحلة الاستضعاف.
8- لم يكن الصهاينة بحاجة لمبرر للقيام بهذه المجازر، وليست هذه المجازر
رداً على صواريخ، بل هي استحقاقات الانتخابات الصهيونية، فقبيل أي
انتخابات يقدم الصهاينة على مثل هذه المجازر التي تروي عطش الناخب اليهودي
للدماء، وإنا نحذر كل من يبرر لهذا العدوان بأنه سيقف أمام جبار السموات
والأرض وسوف يسأل عن كل كلمة كتبها, أو كاريكاتير رسمه، أو كلمة قالها
يخذل فيها المرابطين والمجاهدين ويحاربهم. ولو اعتدى أحد على أرض أحدنا أو
شيء من أملاكه، بل لو أوقف سيارته أمام منزلنا لغضبنا عليه وحاربناه
ونازعناه ولم نتركه، أفلا نرضى من إخواننا أن يدافعوا عن مسرى رسول الله
وأرض الأنبياء المباركة المقدسة بما استطاعوا.
9- وأخيراً.. إننا ندعو الجميع للمشاركة في نصرة إخواننا في فلسطين، وإن
الواحد منا إن حمل الهم وملك العزيمة والإرادة فلن يعدم الوسيلة لذلك،
وإنا لندعو لأهلنا هنالك في الشام حيث مهجر إبراهيم عليه السلام ونسأل
الله عز وجل أن يجعل تلك النار برداً وسلاماً عليهم، كما كانت على إبراهيم
عليه السلام، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا
عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.
سيبقى أهلنا على ثرى فلسطين المباركة لعدوهم قاهرون.. فما نحن فاعلون؟..
وإني لا أخشى عليهم ولا على مسرى رسولنا الكريم، إنما أخشى على أنفسنا أن
نخذلهم فيصيبنا ما حذرنا منه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
بقوله: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ
تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا
خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ
امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ
وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ
يُحِبُّ نُصْرَتَه" أخرجه أبو داود، والإمام أحمد في مسنده.
.......................
منقول