في مقابل وحدة الهدف.. أين الإعلام من قضية الأسرى؟!
ثمة ظواهر إنسانية تأتي لتعيد صياغة مراحل بأكملها في تاريخ الأمم و الشعوب ،تبدد اللامنطقي و الاستثناء ، و تعيد رسم خارطة الحاضر و المستقبل بما يتوازى مع تطلعات و أهداف و آمال هذه الأمم والشعوب ،فكيف و إن كانت تلك الظواهر خالطتها تضحيات جسام سمت إلى تلك الدرجة التي يجود فيها المرء بأغلى ما يملك ؟ و كيف و إن كانت تلك الظواهر وحدها من تتحمل مسؤولية وحدة الهدف و سموه على كل محاولات التقزيم و الشرذمة ؟
في تاريخ القضية الفلسطينية هناك عدة ظواهر تستحق الوقوف عندها و تحليلها وأخذ العظات منها و العبر لما تحمله في طياتها من تفاصيل تبرهن بكل يقين على أن ديمومة التضحيات مستمرة حتى يتحقق وعد الله عز و جل لعباده المؤمنين .
قضية الأسرى الفلسطينيين واحدة من تلك الظواهر التي تستحق الوقوف عندها و تحليلها لأخذ العظات و العبر ،وتستحق أيضا أن يقف كل فلسطيني وقفة إجلال و احترام أمام تضحياتهم النبيلة ،وأن يبذل كل فلسطيني ما يستطيع من جهد و عرق لنصرة قضيتهم و تحريرهم من باستيلات العدو الصهيوني سيما وأن تحريرهم يشكل هدفا من سلسلة الأهداف التي لازلت أجندات فرقاء الساحة الفلسطينية تتحدث عنها رغم خلافهم و اختلافهم !
حقيقةً أنا من أشد المؤمنين بدور الإعلام في خدمة القضايا المختلفة خاصةً و نحن نتحدث عن صراع حضاري يستدعي أن نسمو في أدواتنا إلى الدرجة التي تمكننا من طرح قضايانا بالشكل المطلوب و يُمكن أدواتنا من التصدي للأدوات المضادة التي سخر لها أعداؤنا كل إمكانياتهم و طاقاتهم فاستطاعوا خداع العالم بأكاذيبهم ليصبح الفلسطيني في أعين جزء كبير من المخدوعين أشبه بآكلي لحوم البشر رغم عدالة قضيته !
لست متجنياً هنا على الإخوة الإعلاميين حينما أقول إن ترهل و قصر نظر منظومة الإعلام لدينا ساهمت و بشكل فعال في تراجع القضية الفلسطينية و قضية الأسرى بشكل خاص على المستوى الدولي ،ولنا في قضية الأسير الصهيوني " جلعاد شاليط " خير شاهد على ذلك ،فقضيته و إن كان جنديا محتلا تم أسره في عملية عسكرية على تخوم قطاع غزة الذي يشهد عمليات عسكرية لحظية لجيش الاحتلال الصهيوني استطاعت ماكنة الإعلام الصهيوني أن تسوقها للعالم على أنها جريمة ينبغي القصاص من مرتكبيها بأشد عقوبة ، في الوقت الذي يرزح أحد عشر ألف أسير فلسطيني خلف قضبان المحتل الغاصب يتعرضون للتنكيل و التعذيب يومياً و يسقط الشهداء منهم نتيجة الضرب المبرح و التعذيب و في بعض الأحيان بالرصاص الحي كما حدث من الأسير " محمد الأشقر " الذي استشهد رمياً بالرصاص في نهاية العام الماضي و كما حدث مع مائة و اثنين و تسعين شهيداً هم حصيلة الأسرى الشهداء الذي ارتقوا نتيجة القمع و التنكيل الذي يتعرضون له في معتقلات العدو.
الأدهى من كل ذلك و أمر أن يتسابق الإعلاميون لتسجيل لحظات الإفراج عن المعتقلين المنتهية محكوميتهم في الوقت الذي يُختطف العشرات على حواجز الموت المنتشرة في الضفة الغربية ولا تعرف أسماؤهم أو أعدادهم أو مصيرهم ليشاركوا بذلك في أكبر عملية خداع يتعرض لها العالم على أيدي هؤلاء القراصنة ،ليس لشيء سوى لأن بعض الإخوة الإعلاميين رهن نفسه للدفاع عن طرف بعينه و استخدام كافة الوسائل المتاحة للدفاع عن هذا الطرف أو ذاك حتى و إن كانت وسائله تلك تتعارض مع آمال و أهداف شعبنا الفلسطيني بالتحرير و تقرير المصير بل و حتى و إن تعارضت وسائله مع عذابات و تضحيات أحد عشر ألف فلسطيني يرزحون داخل باستيلات العدو!
النقطة الأهم هنا و التي ينبغي التفكر فيها مليا ،في ظل ثورة حقوق الإنسان و الديمقراطية التي يشهدها العالم و في ظل مليارات الدولارات التي تُرصد للدفاع عن حقوق الإنسان و آدميته أتساءل أين حقوق الإنسان من ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الصهيوني ،وأين حقوق الإنسان و عائلة " جاسر أبو عمر " بأكملها ترزح خلف القضبان ،ألا يستحق الأب جاسر أبو عمر و الأم خولة زيتاوي و الابنة غادة تحرك الإعلام الفلسطيني لنقل تفاصيل هذه الجريمة البشعة للعالم لفضح إجرام هذا العدو الغاصب؟! و عائلة جاسر أبو عمر ليست سوى مثال بسيط فخلف قضبان هذا العدو المجرم هناك من الحكايا ما يشيب لها شعر الرأس !
في النهاية أعتقد أن الإعلام الفلسطيني الذي خسر كل معاركه أمام سطوة و تغول ماكنة الإعلام الصهيوني عليه التفكير مجدداً في كيفية الخروج من هذا الوضع المزري ليستطيع تحمل مسؤولياته في هذه المعركة المصيرية و أن يُعيد جدولة أدواته بما يتوافق مع إمكاناته ليكون إعلامنا الفلسطيني رأس حربة شعبنا الفلسطيني في معركته الفاصلة ،بغير ذلك سيكون إعلامنا الفلسطيني و وسائلة أداة طيعة في يد أعداء شعبنا و سيبقى دوره محصورا في تكريس الهزائم و النكبات ،ولا تنسوا أننا نواجه الكون كله بمفردنا ،فليتعالى دوركم إلى حيث تضحيات هؤلاء الرجال !