صاحب الأصابع العشرة

الشرقية أون لاين - 11/11/2008 م
حكى أحد العلماء المعروفين أنه في أحد الأيام وهو طالب في المعهد الثانوي الأزهري بالزقازيق وكان ذلك في الستينات، دخل عليهم المدرس الفصل؛ ثم نظر إليهم وبدأ في البكاء الشديد وحاول الطلاب أن يهدءوا من روعه ويخففوا عنه ما هو فيه ولكن دون جدوى، حتى جاء زملاؤه وأخرجوه من الفصل. وفي الأسبوع التالي دخل عليهم نفس الأستاذ ونظر إليهم، فبادره الطلاب بالاستفسار والسؤال عما حدث في الحصة الماضية؛ فقال لهم أستاذهم سأحكي لكم القصة: ـ
** كنت طالب وأجلس في نفس الفصل وفي هذا المكان وكان لي زميل جاء من أرياف مصر وكان هذا الطالب فقير فقر مدقع، لا يملك من حطام الدنيا شيء، وأرسله أهله ليتعلم وكان من أسرة طيبة متدينة، وكان يستأجر غرفة يعيش فيها وكان يعطونه أهله ثلاثون قرشا ينفق كل يوم قرشا، وكان يملك في غرفته لحاف يفترش نصفه ويتغطى بالنصف الأخر، ولمبة جاز نمرة (5).
وفي أحد الأيام وهو عائد من المذاكرة عند أحد زملائه وجد فتاة تبكي على محطة القطار بالزقازيق وكان الوقت متأخرا؛ فاقترب منها خطوة بخطوة؛ ثم سألها: لماذا تجلسين هكذا ؟ فأجابت الفتاة: لم ألحق بالقطار وكنت مسافرة إلى القاهرة وكان القطار يمر مرة واحدة في اليوم ذهاب وإيابا من وإلى القاهرة فطمئنها ثم أخذها إلى غرفته. واشترى لها بقرش عشاء وكان ذلك في يوم 27 من الشهر، وبعد تناولها للعشاء افترشت الفتاة نصف اللحاف وتغطت بالنصف الأخر ونامت، وافترش هذا الشاب كتبه من برد الشتاء وظل يذاكر حتى يمر الوقت.
وفي أثناء ذلك رواده الشيطان على هذه الفتاة فحدث نفسه وقال لها إن استطعتي أن تتحملي نار جهنم ـ فافعلي ما تريدين ـ، ثم وضع إصبعه على اللمبة فاحترق إصبعه ثم قام ولف إصبعه بقطعة من القماش ، وجلس يذاكر .
فراوده الشيطان مرة أخرى فحدث نفسه بنفس الحديث الأول ووضع إصبعه الثاني على اللمبة ثم عاد وربطه ، وظل على هذا الحال بينه وبين وساوس الشيطان حتى احترقت أصابعه العشرة وقد حان وقت صلاة الفجر فقام وتوضأ ثم أيقظ الفتاة لتصلي الفجر ، ثم اشترى لها بالقرش الثاني طعام الإفطار وبعد تناولها للإفطار أخذها إلى القطار ودفع لها القرش الثالث والأخير للقطار وركبت الفتاة القطار وودعها وسافرت إلى القاهرة وعاد هو ليكمل باقي الشهر بدون نقود ولكن متوكل على ربه الذي لا تضيع عنده الحسنة ولا العمل الطيب وذهب إلى معهده في هذا اليوم .
وفي اليوم التالي وقف المعهد كاملا في وضع استعداد تام في أرض الطابور وذلك لوصول شيخ المعاهد وكان له شأنه العظيم الذي تهتز له المحافظة بأكملها، ووقف ا لطلاب طابور الصباح وبدأ العرض الصباحي للطابور ثم جاء وقت كلمة شيخ المعاهد فبعد أن حمد الله ـ عز وجل ـ ناد على هذا الطالب باسمه ومن شدة خوف الطالب لم يستطع الوصول إلى مكان المنصة وتحدث الشيخ وقال ( لقد حدث من هذا الطالب كذا وكذا ) وأن هذه الفتاة ابنتي ولم تنم وشاهدت الموقف ، وإني أشهدكم أن نفقة تعليمه كاملة على حسابي الخاص وذلك في القاهرة وأني قد زوجته ابنتي .
وبالفعل أتم هذا الطالب تعليمه حتى صار أستاذا بالجامعة وكان له كتب ومؤلفات و استحلفه الشيخ أن يكتب علي أول كتاب ألفه (صاحب الأصابع العشرة ). ـ نعم ـ من ترك شيء لله عوضه الله خيرا منه ، لأنه تركها لله فعوضه الله بالفتاة والعلم والمال . " فاعتبروا يا أولي الأبصار " .

نعم ـ من ترك شيء لله عوضه الله خيرا منه ، لأنه تركها لله فعوضه الله بالفتاة والعلم والمال . " فاعتبروا يا أولي الأبصار " .

مشكور على القصة الرائعة