أخيرا ، تحققت إرادة الشعب المصري بانتصار الدم على السيف ، والكف على المخرز ، انتصار تجسد بسقوط طاغية العرب وفرعون العصر محمد حسني مبارك ، عبر ثورة شعبية عارمة أنهت ثلاثة عقود من الظلم والاستبداد .
ولعل من مفارقات قدر الله ، أن تتزامن الذكرى الثانية والستين (12/2) لاغتيال حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين ، مع سقوط نظام اللامبارك ، لم تذهب دماؤه ولا دماء شهداء الثورة هدرا ، فأنبت ولو بعد حين ، لتكتب فجرا لتاريخ جديد يعيد الأمة إلى صدارتها التي تراجعت في ظل النظم الاستبدادية .
كان لمؤسس الإخوان من اسمه نصيب ، فهو حسن البنا، فأحسن البناء بإنشائه جماعة إسلامية اتخذت من الإسلام منهج حياة في كافة المجالات ، على غير الرئيس المخلوع الذي ولد في ذات السنة(1928) التي بزغ فيها نور البنا ، فلم ينل شرف الاسم والمسمى ، فكان مولده لا مبارك.
فشتان شتان بين رجل ، حمل هم الإسلام والدعوة وجعل جل همه ، كيف تقود بلاده ولا تقاد ، لتصبح حقا أم الدنيا بحق ، وبين آخر حارب هذا النهج بشراسة حتى وصل عدد معتقلي جماعة الإخوان في آخر عشر سنوات من حكم مبارك نحو 30 ألفًا من الإخوان هذا فضلا عن مصادرة أموال أفراد الإخوان الشخصية وإغلاق الجمعيات وغيرها.ولعل ذلك من مفارقات القدر أيضا.
فحق للبنا وأمثاله وهو الذي اغتيال ظلما وعدوانا على يد نظام ، كان مبارك امتدادا له ، حق أن يذكر اليوم بكل عزة وفخار ، بعد سنوات على رحيله جسدا ، غير أن فكره ومنهجه عم البلاد ، فأصبح رجاله وأتباع اليوم الحجر الأساس في بناء عهد ما بعد مبارك.
رحيل الشاذلي
وصادف أيضا ، في يوم جمعة التحدي التي انتهت بحسم مصير مبارك إلى مزابل التاريخ ، تشييع جثمان رئيس أركان الجيش المصري الأسبق سعد الدين الشاذلي في جنازة عسكرية مهيبة فيما كان الثائرون مرابطون في ميدان التحرير مطالبين بالحرية.
وعندما عقد أنور السادات ونائبه مبارك معاهدة كامبد ديفيد مع الاحتلال ، انتقدها الشاذلي بشدة وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه والذهاب إلى الجزائر كلاجئ سياسي في سنة 1978 حيث قضى 14 سنة كاملة فيها حتى سنة 1992.
في المنفى كتب الفريق الشاذلي مذكراته عن الحرب والتي اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى وأد النصر العسكري والتسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي.
كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولى وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة, كما تم حرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من حقوقه السياسية.
وهنا أثمر الحق الذي نطق به الشاذلي ، وانتصر على باطل السادات ومبارك بانتهاء حقبة الظلم والاستبداد ، هاهو الشاذلي يرحل من دنيا فانية تمسك فيها مبارك إلى أن خلعه الشعب بعزة وكبرياء ، فيما غاب الأخير عن المشهد وربما لا يذكر إلا حيث تذكر العمالة والخيانة.
معركة المنصورة
مشهد ثالث مشرف ، تزامن مع انتصار الثورة المصرية بسقوط أكبر طغاة العصر ، معركة المنصورة التي حملت أسم أهم المدن المصرية التي هبت بأكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 600 ألف مطالبة برحيل مبارك ، فاليوم المنصورة تحتفل بانتصارها على القوات الصليبية كما تحتفل بعيد النصر على فرعون العصر.
فمعركة المنصورة، معركة دارت رحاها في مصر من 8 إلى 11 فبراير(يوم خلع مبارك) من سنة 1250 بين القوات الصليبية (الفرنج) بقيادة لويس التاسع (ملك فرنسا، الذي عُرف بالقديس لويس فيما بعد، والقوات الأيوبية بقيادة الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ، وفارس الدين أقطاي الجمدار وركن الدين بيبرس البندقداري.
أسفرت المعركة عن هزيمة الصليبين هزيمة كبرى منعتهم من إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر، وكانت بمثابة نقطة البداية التي أخذت بعدها الهزائم تتوالى عليهم حتى تم تحرير كامل الشام من الحكم الصليبي.
ثلاثة مشاهد مشرفة ، تزامنت مع سقوط نظام حارس (إسرائيل) ، مشاهد نذكرها اليوم وكل يوم بعد سنوات عجاف ، نذكرها لتبعث فينا الحياة من جديد ، اليوم يرحل مبارك بعد أقل من شهر على فرار بن علي ، إلى مزبلة التاريخ إيذانا بفجر جديد يذكر فيه العظماء بعد سنين ، ويغيب عنه أمثال مبارك وبن علي لا يذكرون إلى في مواطن الضعف والانحلال.
وإلى سقوط طاغية آخر.