هيكــل لحظة التغيير العربي قادمة

بعد أيام قليلة تبدأ إذاعة عدة حلقات أتحدث فيها عن تجربتي في الحياة وقد رأي أصدقاء 'الجزيرة' ووافقت معهم علي أهمية أن تظهر في التقديم لهذه الحلقات حلقة عن الشأن الجاري بحيث يبدو أننا نواكب ما يجري في هذه اللحظات قبل أن نتعطل ولو قليلا أمام أشياء تتعلق بالتجربة.. وأنا عندي مشكلة مع الشأن الجاري لأنه باعتقادي هو لحظة وهمية متصورة بين ماض حدث منذ لحظة ومستقبل آت بعد لحظة.. وبالتالي فهذه اللحظة الراهنة التي نتصورها هي في الواقع لحظة تكاد تكون رمزية.. الثانية اللي بتحدث فيها عن الشأن الجاري يكون اللحظة الجارية انتهت وانقضت.. لما أتحدث عن الشأن الجاري فكرت فيما يقال واجهتني مشكلة لأن الشأن الجاري ساحة معقدة وواسعة ومتلاطمة ومتدافعة الحوادث بحيث يصعب جدا علي أي محلل أو أي مراقب أو أي متابع أن يجد نقطة البداية.. والحقيقة أن الأمير عبد الله ولي عهد السعودية أعطاني نقطة البداية لأني وأنا أتابع جريدة 'الحياة' هذا الأسبوع قال الأمير عبد الله بالنص: 'أوضاع العرب تجعلهم دوليا بلا وزن'.. هذا تعبير يحتاج إلي وقفة.. أنا أتذكر الأمير عبد الله سألني سؤالا حينما تلاقينا في لندن قبل سنوات والعجيب أن السؤال لا يزال قائما.. عالم عربي بأكمله بلا وزن.. وهذا تصبح النقطة المهمة جدا.. ماذا يعني ذلك؟.. إن هذه الدول في موقعها بلا قيمة وإذا صح أنها بلا وزن بالخارج ولا قيمة بالداخل فهي بلا مستقبل.. الكلام عن الدول وليس الشعوب.. لو سألني الأمير عبد الله ما الذي جري مستعد أن أقول له أرجوك اترك أحاديث السياسة والاقتصاد واقرأ القصة التي كتبها أوسكار وايلد 'دوريان جراي' وتلك قصة مؤداها باختصار أن شابا خلقه الله ومنحه حسنا وجمالا إلي أقصي حد.. ورسم فنان لهذا الشاب صورة ووضعت في قاعة عرض في لندن ودخل شيطان وأطل علي هذه الصورة وذهل أن يوجد إنسان بهذا القدر من البهاء والروعة وطلب من صاحب المعرض أن يعرفه علي هذا الشاب ليكون صديقه فقال له صاحب المعرض إنه شاب يخاف جدا علي ما حباه الله من نعمة ويلزم في تصرفاته حدودا معينة للحفاظ علي صورته.. وأثناء الكلام دخل 'دوريان جراي' علي الشيطان 'هنري' فتعرف عليه مباشرة فبدأ يتكلم معه وقال إنه حرام كل هذا الشباب يهدر دون أن يتعرض لتجربة الحياة فبدأ يغويه فقال له الشاب إنه راغب في أن يحافظ علي ما حباه به الله كما هو فعقدوا صفقة مؤداها أن يفعل 'هنري' كل ما يشاء من خطايا مع 'دوريان جراي' دونما أن تظهر الآثار علي وجه الشاب وبدلا من ذلك تظهر الآثار علي الصورة، وبالتالي تتحمل وزر كل ما يفعله دون أن يتحمل هو، وعقد الصفقة مع الشيطان وبدأ يعيش الحياة ولم يترك خطية إلا وأقدم عليها وهو مطمئن أن الصورة تتحمل وزر هذه الخطايا لكن جماله باق كما هو.. حتي استبد به
الفضول لرؤية الصورة التي يخفيها الشيطان أو رسوله 'هنري' بستارة.. تشوق ليعرف تأثير حياته علي صورته.. فتسلل ذات يوم وطلع وفتح الباب ودخل وأزاح الستار عن الصورة فوجد وجها بشعا لم يتصوره ومن غيظه أخذ سكينة ضرب بها الصورة وعندما ضربها انتهي العقد مع الشيطان فإذا بالصورة نفسها تتحول ملامحها إلي ما كان عليه من جمال والقبح كله يظهر علي وجه الشاب.. وهذه هي النتيجة لحظة مواجهة الحقيقة التي يحاول الناس أن يداروا عليها.. ما حدث عندنا ولدولنا هو بالضبط صورة 'دوريان جراي'.
اللي حصل إنه قبل 6 أكتوبر 1973 تبدي العالم العربي علي صورة كاملة جميلة مليانة كبرياء حلوة التقاطيع قادرة علي أن تقف وتقاتل في معركة مصير وحطت كل مواردها في سبيل ذلك ولها أصدقاء في العالم بلا حدود: الاتحاد السوفيتي الهند الصين أوربا كلها متعاطفة آسيا أفريقيا وبدا مساء 6 أكتوبر العالم العربي علي أجمل صورة ثم جري أن مندوب الشيطان 'هنري' مبتكلمش علي هنري كيسنجر لأن مندوبي الشيطان في هذه اللحظة كانوا كتير قوي.. بدت الصورة وصاحبها النظام العربي يعد لمعركة وفي صورة جميلة فدخل اللورد هنري وأطل علي الصورة، وأدخلنا في صفقة مع الشيطان سواء كنا نعلم أو لا نعلم والشيطان لم يكن فقط أمريكا.. شيطان الغواية له رءوس متعددة.. مثل هيدرا في الأساطير الأفريقية.. حصل أن النظام العربي وهو ليس السادات فقط رأي في هذه اللحظة الهائلة من تاريخه أنه يقف هنا وأنه لو كمل هذه الحياة ستضيع وأن هناك أمورا كثيرا قادمة وبالتالي فالخطوة التي أقدم عليها السادات صباح 6 أكتوبر بالاتصال مع أمريكا فتحت صفقة مع الشيطان.. الرئيس السادات إنصافا له لما أقدم علي الاتصال كان سمع نصائح من الكثيرين بإجراء هذا الاتصال وإرسال رسالة أنا معترض عليها.. وتوقيتها.. التمهيد بدأ مبكرا جدا ثم إنه بدأ متعارضا مع مطلب القتال ثم كان الوعد الذي كانت له نتائج خفية حتي هذه اللحظة.. لأن الوعد كان فيه أنه لن توسع جبهة القتال.. حاجة غريبة إن بعض الناس قالوا إنه لم تكن هناك رسائل من هذا النوع.. لأنه في هذه الفترة كان فيه 92 رسالة بين السادات وكيسنجر من 7 أكتوبر لغاية ..22 وفي الواقع لغاية ما جاء كيسنجر.. قال السادات في تلك الرسائل: نحن لا ننوي توسيع الاشتباك أو توسيع الجبهة عن الحد الذي وصلت إليه القوات في هذه اللحظة.. وفي ذلك إشارة إلي أن الحرب انتهت وبالتالي تجمدت اللحظة.. وكان نفسي إن اللي بيقولوا إن المراسلات لم تكتب يراجعوا الرجل الذي كان مسئولا عن صياغة هذه المراسلات لأنه موجود بيننا والرسائل علي أي حال أنا أتكلم فيها لأنها
توصلنا إلي النقطة اللي إحنا فيها.
الرسائل دي كانت بناء علي نصيحة من الملك الحسن والملك فيصل وشاه إيران.. كلهم قالوا: إن اللي حصل في 6 أكتوبر هائل جدا ولكن بالراحة وإلا هذه الصورة الجميلة ممكن تتبدل وتنقلب.
وبدأت الاتصالات صباح 7 أكتوبر وكنت من أقرب الناس له ولكن مع الأسف لم أعرف إلا فيما بعد.. الرسالة لما اتكتبت.. كانت إملاء علي حافظ إسماعيل.. لكن مدير مكتب حافظ إسماعيل في هذا الوقت وهو من أفضل الدبلوماسيين العرب هو الذي تولي الصياغة وهو أحمد ماهر وزير خارجية مصر السابق.
في هذا الموضوع أنا لا أطالب بمحاسبة.. كل واحد بيعمل قرار في التاريخ بيعمل رهان في واقع الأمر وممكن جدا يخطئ فيه.. وممكن يصيب.. لكن في العمل السياسي ممكن الناس تخطئ لكن الرغبة في إخفاء الخطأ تجعل التاريخ مبني علي أساس هش يحتاج إلي مراجعة لأنه منذ هذه اللحظة 'دوريان جراي' في كل العالم العربي.. بدأ يتمتع بمباهج الحياة بعد لحظة النصر الذي تحقق في 6 أكتوبر بالتحديد..
واستغل العرب هذا الانتصار إلي أبعد مدي وخرج 'دوريان جراي' العربي يغامر ودخلنا في أشياء بلا حدود وأخ يقتل أخاه وعالم يقسم وأصبح كل طرف راغب في تعظيم مكاسبه المباشرة.
منذ هذه اللحظة تأثر العقد الاجتماعي الذي كان يربط العالم العربي بأوضاع سياسية معينة.. غوايات معينة.. أساس الشرعية تغير.. نحن نتحدث عن القانون وعن الديمقراطية وكل هذا تنويعات علي أساس أن يكون لك حكم شرعي.. الشرعية هي أن شعب علي أرض وبين قواها المختلفة علي تفاوت ما بينها عقد اجتماعي ولأن الحياة مشتركة فيستقر رأيها علي شرعية.. نحن نعيش في الدولة الحديثة التي نشأ مفهومها بعد الثورة الفرنسية علي أساس مراتب الشرعية.. المرتبة الأولي هي أرض وشعب وعقد اجتماعي مشترك وهذه الدولة لما تقوم تكون مرتبة ثانية وهي الحكومة الدائمة والأجهزة والمؤسسات وهي حكومة السيادة، تحت هذا درجة ثالثة وهي الإدارة وهي في واقع الأمر إدارة منتخبة مقيدة بتفويض معين من الناس ووقت معين.. إذن هناك دولة تحتها حكومة.. تحتها إدارة متغيرة.. والإدارة تنتخب بتفويض معين والإدارة تباشر العمل.. بيحصل مرات أن التناقضات الرئيسية في المجتمع تجعل عناصر مستفيدة، تبدأ في الأوليجاركية.. نحن أمام 'أوليجاركية'.. يعني جماعات القوة
وجماعات المصالح تحاول تقلب التجربة يعني بسلطتها علي الإدارة تستولي علي الحكومة ثم الدولة.. والمشكلة أن الوضع الأوليجاركي الجديد عندنا بدأ بملاك الأراضي وده فيه ارتباط بوطن لكن لما يكون الثراء مرتبط بالعولمة يكون الوطن سوق.. وبالتالي الشعوب تكون في وضع صعب.. جماعات مصالح تستولي علي الدولة وتضرب العقد الاجتماعي.. وبذلك 'دوريان جراي' العربي دخل في صفقة مع الشيطان لأنه لم يعد هناك حكومة ولا إدارة ولا عقد اجتماعي.. تغيرت العصور وفي النهاية لا يمكن تفسير ما جري.. إلا بأنه إحنا بنتكلم عن مغامرات دخلها العالم العربي كل سنة تقريبا والقوي اللي عملت لحظة أكتوبر أصبحت تتصارع.. لا يمكن فهم ما فعلناه في غزو العراق لإيران أو كارثة أفغانستان.. نحن فعلنا ذلك بهذه الأوليجاركية غير المرتبطة بأرض أو بعقد اجتماعي.. ووصلنا إلي لحظة لا نريد معها أن نفيق.. حتي هذه اللحظة لا نريد أن نفيق وعلي خلاف 'دوريان جراي' في الأدب.. لم نكتشف نحن صورتنا.. والغريب أن الأمريكان هم من يحاول كشف ما حصل.. سجن أبوغريب وجوانتانامو وتدنيس القرآن.. كل ده عرفناه من مجلات أجنبية.. وبالتالي 'دوريان جراي' العربي في وضع لا يحسد عليه.. الشيطان يتخلي عنه.. مساوئه تظهر أمامه والناس التي خدعتها بعض مظاهر الأشياء بدت في لحظة إفاقة.. وحاول 'دوريان جراي' العربي أن يداري هذا الأمر.. نحن وصلنا إلي خطأ وهو صفقة مع الشيطان في غيبة من الشعوب والشعوب كلها انتظرت الحقيقة ولما أطلت علي لقطات منها وجدتها بشعة وهذا ليس لأن 'دوريان جراي' غلط ولكن لأن الشيطان لم يعد ينفعه 'دوريان جراي' الذي لم يعد رفيق ولا صديق ولا مسلي في الليالي.. ولم يعد مهتم به.. 'دوريان جراي' العربي يقف أمام صورته لا عايز يصدق انها صورته مع أنها هي ولا يريد أن تطل الناس عليها بشكل كاف راغبا في إخفاء الحقائق والمشكلة أن العصر لم يعد يسمح بإخفاء الحقائق.
الشعوب مرات تقبل أن زعماءها تغلط وتصحح أخطاءها.. لكن تزعل جدا عندما تخدع.. لما الشعوب العربية بدت أمامها لمحات من صورة 'دوريان جراي' بدأت تشوف أكثر.. عندها وسائل.. مجتمع مدني.. عالم خارجي.. هناك قضيتين أو ثلاثة كبار جدا.. مثل الفضائيات.. ودي داخلة إلي عوالم غير مسبوقة في اتساعها.. بنتكلم علي الانترنت.. هناك 80 فضائية موجهة إلي العالم العربي وهناك 4 أو 5 تعطي أخبار طول الوقت.. ولم أتصور أنه تحت الأرض نبع ساري وجاري متمثلا في الانترنت وتجري فيه حوارات وكلام.. والأحزاب أيضا والحركات الشعبية في مصر وغير مصر.. رغبة في تغيير أوضاع لم يعد ممكنا أن تستمر لأن الصورة الموجودة بشعة جدا.. نري كل يوم جزء من تفاصيلها يتضح
كل يوم.. والحركات أصبحت نشيطة وفاعلة.
في هذه اللحظة بدأ يكون هناك 'تسونامي' أمريكي، إعصار أمريكي نحن ساعدناه ووجدنا أنفسنا في أزمة نموذج من 'دوريان جراي' تختلف في النهاية عنه لأننا لا نريد أن نواجه.. السلطة انتقلت إلي مجموعة أصحاب مصالح.. وليس عجيبا أن يفقد العالم العربي وزنه.. وإن كان لم يفقد وزنه فتلك هي المعجزة.
ندخل في مصر.. حتي بوش يقول إن مصر قادت حركة السلام ولم يكن سلام وعليها أن تقود العالم العربي إلي الديمقراطية وأنا بقول عايز مصر تقود حركة إلي الشرعية وليس الديمقراطية وليس بالطريقة اللي انعمل بها السلام.. لأن هذا نموذج لم يأت بسلام واحتفظ حتي بمقومات عقد اجتماعي كما كان وانتهت به تطوراته بعدها وبالرغبة في إخفاء الحقيقة إلي أوليجاركية.. لكي أكون منصفا أقول: مصر لابد أن تناقش بصراحة ولكن بالتزام يضع حدا للياقة لأن اللحظة لا تحتمل لا انفلات أعصاب ولا أصبحت تحتمل انتظار.. الرئيس مبارك جاء ورأي في مصر أزمة شرعية.. العقد الذي يربط شعب معين علي أرض معينة، هو الشرعية.. قبول كل المواطنين بعقد اجتماعي لا يساوي بينهم ولكنه يعطي كل واحد حق في الحياة وفي التعبير عن نفسه هذا عقد يصوغه شعب وشرعية يعبر عنها دستور.. الرئيس مبارك جاء ووجد في مصر أزمة شرعية.. ولكي أكون واضح الشرعية المصرية تعرضت لحاجتين.. أولا ضربة 1967 بعد قيام نظام ثوري في مصر عام 1952 بعد سقوط شرعية أسرة محمد علي.. ولم يكن ممكنا قيام نظام ثوري بمجموعة من ضباط الجيش إلا لأن شرعية نظام بحاله قد سقطت.. وبالتالي أصبح ضروريا أن تقوم شرعية جديدة.. وقامت شرعية يوليو وعملت حاجات كتير قوي.. وعلماء القانون الدستوري يحاولون تشبيه الشرعية بالخزان.. موجود والإدارات والحكومات تسحب منه بمعني أنها لما تخطئ مرات يعوضها ما في الخزان.. أنا أعتقد أن ثورة 23 يوليو يوم 5 يونيو واجهت انكسار في الشرعية وعارف أنه كان فيه تدخل أجنبي ولكن حجم أي تدخل يقتضي استعداد.. وحصلت ضربة لكن لا ينبغي أن أخفي عن نفسي أن أي نظام يعجز عن حماية التراب الوطني يفقد مبررات وجوده.. وشرعيته والناس في 6 يونيو طلعوا ووقفوا وراء جمال عبدالناصر وهو كان يدرك أن ما جري أخذ منه كثيرا وكان عليه أن يمشي.. لكن الناس اعطوا جمال عبدالناصر شرعية مؤقتة لأن ما كان موجودا في خزان شرعية يوليو كان كبيرا جدا.. وتسمح تجاه ضربة بهذا الحجم أن يكمل إلي حدود معينة وقال ذلك وليس سرا أني كتبت ذلك في بيان التنحي.
ثم جاء أنور السادات وأكمل تفويض الناس حتي يوم 6 أكتوبر.. ولكن حصلت مسألة
مهمة.. يوم 6 اكتوبر كانت شرعية العمل.. شرعية ما حصل علي الجسور وعلي القناة وفي سوريا، علي المرتفعات والأمة العربية اللي وقفت.. ولكن هناك مسألة مهمة جدا وهي أن شرعية اكتوبر في اليوم التالي حل محلها رهان من نوع آخر له أسباب ودعاوي.. رهان علي السلام كان هناك أشياء تشجعه ووجد أن الرهان في هذا الوقت مفيد.. لكن الرهان جاء مبكرا جدا.. وكنوع من التعهد وحتي أحمد ماهر اللي كتب الرسالة لم يكن راضيا.. هذا حدث مؤسس في السياسة المصرية الحديثة وانكار حدوثه غير مقبول ليس العيب أن نخطئ ولكن العيب أن نداري علي الخطأ.. ويتحول إلي كذبة.
يوم اغتيال السادات كان معناه فشل رهان السلام.. مصر دخلت الحرب بمشروع قومي وليس من أجل سيناء.. للمحافظة علي أمل قومي عام سيشمل الكل.. لما جاء مبارك كانت شرعية يوليو تأثرت ودخلنا مشكلة لأن اللورد هنري استغل نوايانا التي عرفها عن القتال ودعم اسرائيل فكانت بداية المعركة شيء ونهايتها شيء.. وشرعية الثورة الفرنسية كلها ظلت عشر سنوات فقط.. ليس عيبا أن تنتهي شرعية ما وتبدأ شرعية ثانية. لما قالوا عبدالناصر الجمهورية الأولي والسادات الثانية لم يكن عندي مانع أن يقول مبارك إنه جمهورية ثالثة.
وأنا قلتها في السجن.. هذه شرعية انتقال.. ولما طلعنا من السجن قلت له ذلك.. مبارك لا يستطيع أن يقول إنه جاء ليستمر.. الاستمرار والاستقرار يحتاج لمناقشة.. حتي أن شرعية أكتوبر تحتاج إلي مناقشة.. فتلك لم يضعها قائد لوحده كان هناك خمسة قادة أفرع رئيسية في القوات المسلحة.. إذا أدركنا أنها شرعية انتقال ممكن أفهمها.. لكن لو شرعية استمرار.. طيب استمرار لإيه؟.. يوليو انتهت بعد أن أدت دورها.. اكتوبر شرعية كل الشعب الذي قاتل.. المجهولون في التاريخ.. الثورة الفرنسية كلها قامت بها سيدة لا يذكر أحد اسمها..
كانت الثورة مظاهرات في كل الشوارع في باريس والملك في فرساي والمظاهرات تايهة لغاية ما قالت واحدة حافية شحاتة 'إلي الباستيل' فانطلقوا إلي هناك وأعطت الثورة الفرنسية هدفها.. التغييرات الكبري تضعها الشعوب.. أنا فاكر إن الرئيس السادات لما قال لي: إن العبور تم وهو نفسه والقيادات كانوا مبهورين.. الشباب علي الجسور وفي العبور أدهشوا قادة القوات المسلحة بأدائهم.. البطل الحقيقي للحرب كان الإعداد للقتال.. كمية الشباب.. كمية الموارد والتخطيط.. لكن إذا حد تصور انها مسألة قادة القوات المسلحة وأن هذا جيل اكتوبر. لأن هذا جيل احترمه.. لكن لكل انسان في الدنيا ثلاثة أدوار: دور انساني ودور مهني في الحياة العملية ودور تاريخي والناس كلها عندها الجزءين الأول والثاني لكن مش كل الناس عندها الدور التاريخي.. وهذا الدور في اكتوبر راجع للشعب.
..

أنا سنة 75 رجعت للرئيس السادات وطلب مني أن أكون نائب رئيس وزراء مع ممدوح سالم، وأن يكون قائد الطيران مبارك نائب رئيس.. وأنا قلت إنني لا أعترض ولكن اخشي أن ده انطباع علي 'عسكرة' الرئاسة و'بولسة' الوزارة وهو قال لا.. لما جاء مبارك نائب رئيس وقد تأثرت شرعية يوليو وشرعية السلام. فالرجل داخل علي تأسيس شرعية جديدة وهو رجل مكلف بالانتقال وده دور تاريخي جدا يؤهله له أنه كان من قادة اكتوبر وليس كونه شرعية اكتوبر.. وأنا فاكر وأنا في السجن اني طلبت أني أري مراسم تنصيب الرئيس الجديد.. فقالوا لا يمكن.. فطلبت من مأمور السجن ثلاثة أسئلة يجاوب عليهم بعد أن شاهد التليفزيون.. حتي اندهش زملاؤنا ومنهم فؤاد سراج الدين. قلت له لابس بدلة عادية أم لا؟ وإن كان شايل ورقة بنفسه ولا واحد تاني شايله.. وإن كان واحد هيرتب له الكرسي قبل الجلوس علي الطريقة الملكية أم لا؟
فالرجل رد عليٌ وقال:يا سيدي كان لابس بدلة غامقة وكان شايل ورقة بنفسه ومحدش رتب له الكرسي.. كنت متصور أن هذه دلالات مبكرة علي أننا أمام رجل عادي جاء ليمثل الرجل العادي وجاء ليؤسس لانتقال من شرعيات تعبت ووقعت.. لا أخدع نفسي ولا أحد يخدع نفسه، شرعية يوليو أدت دورها وانتهت شرعية السلام انتهت باغتيال رمزها.. اللي حصل ان اصحاب المصالح حالوا دون الانتقال إلي شرعية.. ودخلنا مغامرات العالم العربي في الثمانينيات ولغاية التسعينيات وبعدين جاء تسونامي دخول الامبراطورية الأمريكية وتسونامي المعرفة.. فبدأنا نتكلم عن ضرورات التغيير وبدأ ذلك يوقظ كل من لا يريد الاستيقاظ في مصر.. ولكن اللحظة التي كان لابد أن يكون فيها انتقال شرعية.. حضرت دعوات الاستمرار والاستقرار.. وتلك حياة خارج الزمن لأن الزمن متغير.. الاستقرار الحقيقي هو مسايرة متغيرات الزمن.. محدش يقول إن قضاة مصر يتحركوا.. ابناء مصر وبناتها في الشوارع يقاتلوا وينضربوا ونقول استقرار.. لا يوجد فيلم في العالم تقف فيه الصورة عند كادر واحد لمدة 24 سنة.. دواعي العالم.. دواعي المعرفة.. دواعي الحركات والداخل.. العالم كله يتحرك.. ونسمع كلام عن الاستقرار!!.. نحن نعيش بلا أساس شرعي.. الدساتير لا يكتبها قانونيون، الدساتير تبدأ بأن الشعب يكتب الدستور بفرض عقد اجتماعي.. الدستور الفرنساوي أملاه بسمارك في ساعتين.. بمعني أنه قال للقانونيين ما يريده لكي يصاغ.. الدستور آمال مستقبلية.. رؤي للمستقبل.. فلما يختلف الواقع الاجتماعي مع الدستور نكون في حاجة إلي عقد اجتماعي جديد وبترتيبات جديدة.. لما تسونامي المعرفة جاء قلنا نحن لا نعارض التغيير ولكن في أوقات مناسبة.. أنا أريد أن أقول بكل أدب كل التصورات والوقائع.. التغيير أصبح ضرورة لأن هناك أوضاع لا يمكن أن تستمر.. وحجم الخطر ودقة اللحظة وأحوال العالم لا تتحملها.. جاء كلام التجديد والتوريث وقيل لا يوجد كلام من ده.. وكلام عن تعديل الدستور ثم تعديل المادة 76 والحاجة الغريبة اللي زعلت منها وألوم فيها مستشاري الرئيس هي حكاية ان الانتخابات استعراض سلطة رجل واحد .. وفكرني ده بحيدر باشا وزير الدفاع اللي قال إنه كان يدخل النادي يقول: مين يلعب معايا طاولة ويتغلب..
أنا حاسس إن المادة دي بالشكل ده.. ثم جاء كلام عن انه لا تحديد لمدة الرئاسة.. وفي الدستور الأمريكي هناك ملحقات تنظم الموضوع وتعاقب 43 رئيس في أمريكا وعلي طول التاريخ لم يزد أحد عن مدتين.. ما عدا روزفلت.. والرئيس اللي بعده وضع ملحقات بالدستور لها قوة الدستور تنظم مدة الرئاسة.. وأنا نفسي ان بعض المستشارين في مصر يقرأوا نص المناقشات الطبية حول طاقة أي انسان في احتمال المسئولية الأولي في الدولة وجميعا استقروا انها لا يمكن تكون أكثر من عشر سنوات.. لو ملك يملك ولا يحكم ممكن.. لكن واحد شايل مسئولية دولة لا يستطيع طبيا أكثر من مدتين فقط لا تزيد..
.. طيب في فرنسا لم يحدث أن هناك رئاسة زادت عن مدتين.. ديجول وهو رجل أسس شرعيتين لم يبق في الحكم أكثر من عشر سنوات وهو نفسه قرر سنة 1968 انه يمشي رغم أنه قائد حركة فرنسا الحرة.. وحينما شعر أن شرعيته تهتز تنحي.. طيب انجلترا.. رؤساء الوزراء لم يبق واحد منهم اكثر من 10 سنين إلا مارجريت تاتشر وكان الكل يطالبونها بالرحيل بعد أداء الواجب.
الاستمرار مقبول في الدستور.. الشرعية تستمر.. احزاب تستمر.. إذا كان الناخبون يقبلون لكن نفس الراجل لا.. هناك طاقة لاحتمال المسئولية.. عايز أقول انه في كل التجارب هناك حدود للمدة.. الدستور مش نص ثابت.. عقد اجتماعي تمليه الشعوب في مراحل مختلفة بما يناسب التطور.. المقدس هو الشعب وليس الرجل الواحد.
شرعية مبارك وهو أدي دور مهم يحسب له.. ليس أكتوبر.. القضية أمام مهمة تاريخية عمل جزء منها.. بعد فترة طويلة من اعصاب مشدودة، من يوليو 52 إلي أكتوبر 81 لأسباب كثيرة البلد محتاجة انتقال هادئ ومحتاجة القادم يدرك انه امامه شرعية انتقال لشرعية تستطيع أن تواكب عصر.. كلنا عملنا غلطة اننا دخلنا نناقش قضية المادة.. مش دي القضية.. مطلوب عقد اجتماعي جديد

أنا امامي وضع لا يمكن أن يستمر.. الشرعية متأثرة.. أنا أمام ضرورة تأسيس شرعية جديدة.. ما العمل..؟!.. أنا اتصور أن ما هو جاري سوف يؤدي بهذا البلد إلي نقطة صدام لا داعي لها، في اسلوب الحوار.. نحن وصلنا في القول والفعل إلي أساليب أصبحت مؤدية إلي كوارث لو استمرت.. ما العمل.. أنا اعتقد اننا أمام ضرورة تأسيس شرعية عقد اجتماعي ملائم لما جد في البلد أو العالم.. أصبح ضروريا أن الرئيس مبارك يكمل مهمته التاريخية لثلاث سنوات أو ست سنوات علي أن يعقد مؤتمر وطني يصدر عنه ميثاق عقد اجتماعي جديد أو خطوط عريضة جديدة.. مؤتمر قومي دائم تنشأ عنه هيئة أمناء الدستور وأنا لا أري أن هذه أوضاع تؤدي إلي تنمية.. الرئيس مبارك اقول له أهلا.. ويكمل الانتقال من شرعية إلي أخري.. ومحدش يقول مين غير مبارك.. لكن فعلا حرام صحيا لمبارك ان يستمر حوالي ثلاثين سنة نائب رئيس ورئيس.. ظلم له كإنسان وظلم للبلد وأنا واحد مدين بفضل كبير للرجل لأنه علي أقل تقدير البلد بشكل أو بآخر وبرغم كل العواصف.. يعني أهه لكن محدش يقول عايز تمرد.. تصوري انه يكمل الانتقال ونعمل مؤتمر يعلن وثيقة عقد اجتماعي جديد وهيئة لأمناء الدستور وأتمني عند سن الثمانين يقول للأمة أنه أدي واجبه وأن المؤتمر القومي يمثل امناء الدستور ثم هناك طريقة لحكم جمهورية برلمانية نقدر نتكلم عن مستقبل أنا وغيري وكل الناس نتكلم عنه.. أن نتصور انها تستطيع الانتقال من ماض إلي مستقبل علي جسر مأمون.. أنا فاكر مرة في سوريا كان الرئيس الأسد طالب من بعض قيادات الدولة تقابلني ليلا في فندق وقلت لهم ماذا يحدث لو أن الرئيس الأسد اختار يوما أن يبتعد عن المسرح؟!.. ساد صمت في القاعة مدة واللي قطع الصمت الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة قامت مطرقعة بالضحك.. ففيه اسئلة يجب أن تواجه ومن غير ما نطرقع بالضحك

بعين الله

يسلمو ياعسل كثير على الطرح

تسلمى يا رب يا قمرايه
منوره يا حبى

حسنين هيكل >>>>>>>>>>> ماذا تريد أن تقول !!!!!!!!!؟؟ لا أعجب لأمركـ أستاذي لكن بدأت أشككـ في نزاهة كلماتكـ , لا شكـ في أن كلامكـ صحيح 100% لكن !!! وتبقي هذه لكن تفتح 1000000تساؤل وسؤال ..
هل أصبحت مغمض العينين لتري أن الخطأ في ذات الشخص الحاكم وليس في بطانته ؟!!!؟
أم أن العمر قد دار بكـ لتعطي لمسات الدبلوماسية رونقاً جديداً وتُلبس الصحافة ثوباً لطالما هاجمته ؟!!؟
هل إشتدت عنصريتكـ الناصرية ( أتباع جمال عبد الناصر ) وإن كان التاريخ لا يذكر ميولكـ الناصرية ولكنما لم يغفل عن علاقاتكـ الفريدة كرجل صحافة يترأس وزارة في وقت كانت تُراق الدماء للوصول إلي بلاط الحكم ؟!!!!
......................................
سؤال مهم لعله يفكـ معضلة كتابة مثل هذا التقرير ومن شخص كهيكل تحديداً ليعتنق هذا الطريق .....
ما هو سبب ترشح البرادعي لرئاسة الحكم , ولماذا تعارض أمريكا وكذلكـ أشخاص معينة قرار تعديل دستور مصر بما يخص الصلاحيات الرئاسية ؟!!!!!!!!!؟
......................................
كل الإحترام والتقدير للأستاذ حسنين هيكل وعلي تصوراته وتقديراته وصراحته التي يشهد له التاريخ بها , لكن كل التحفظ علي بعض إسلوب معالجته لبعض القضايا الحساسة مُدعياً الحياد كصحفي وذلكـ ما يجب أن يكون >>>بغض النظر عن كتاب " لمصر لا لعبد الناصر " ....
*************
ختاماً / ليس كل ما تكلم عنه أستاذنا الكبير خطأً أو يعتريه الشكـ لكن هناكـ بعض الكلمات التي تستوجب أن نتمعن في ثناياها حتي لا نغتر بفيض الحقائق التي تشير ولو بغير قصد إلي أهداف خفية ....

فائق الشكر والتقدير إليكـ عزيزتي shery علي هذا الإقتباس الرائع , تقبلي مروري وفائق الإحترام ...
S.A.E.N

لخصوا ههه

بصراحه مش عارفه ايه اللى مش عاجبك ف كلام هيكل
هو لو كان متحيز لعبد الناصر بصراحه له حق
بالنسبه للبرادعى من وجهه نظرى انه
يطالب بالمستحيل تغير الدستور علشان يرشح نفسه
ما يرشح نفسه تبع اى حزب ولما يكسب يبقى يلغى الاحزاب
مش عارفه ايه اللى وراء تغير الدستور ؟
شاكه ممكن يكون على العكس امريكا معه
على العموم مرور عطر
انرت الصفحه

» رحلة التغيير في العالم العربي
» لحظة جنون ( يعني لحظة سطلان )
» لحظة .. لحظة ... من أعطاك الحق ؟??????
» لحظة غروب ..~ وأي جمآال بهذه اللحظة ..~ ترتشف منها ***** لتعيد في ذكريات ماضيك ..~ وتجدد فيها ما بالنفس فيحييك ..~ يحييك من جديد لترسم الأمل على وجهك الجميل ...~ لحظة الغروب
» أنا لا أطلب شفقة.. بل أطلب لحظة تفكير‏ ( فلتشاهد هنا لحظة التفكير )