وقفة مع آية.

موضوع: وقفة مع آية. الأربعاء أبريل 28, 2010 5:11 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
كل من قدر الله له أن يأتيَ إلى هذه الدنيا سيمرُ حتما بخمس مراحل ، مهما طال عمره وعظم قدره ، مهما كان جاهه وسلطانه وملكه ، مهما كان عظيما رفيعا عزيزا .
كل غني وفقير ، كل قوي وضعيف لا بد أن يمر بخمس مراحل .
خمسِ مراحلَ سطرها الله في كتابه وأنزلها العلي القدير في آية واحدة .
آيةٍ جمعت الأزمان كلها ، وحوت الآزال والآباد الماضية والحاضرة والآتية .
استمع رعاك الله إلى قول الله تعالى ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) .
مراحلُ خمسٍ نسير إليها جميعا ، كنتم أمواتا وهنا بدأت المرحلة الأولى ...
يوم كنا أمواتا ... يوم كنا ترابا ... يوم كنا نطفة يوم كنا ماء مهينا حقيرا في أصلاب الآباء ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنه سميعا بصيرا ) .
( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ) .
وصب هذا الماء المهينُ في الأرحام وشاء الله الخالق البارئ الملك العلام لهذه النطفة أن يخلق منها إنسانا سويا سميعا بصيرا ( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ) .
أتدري عبدالله ما هذه النطفةُ التي خلقت منها ؟ إنها قذيفةٌ منويةٌ اشتملت على أكثرَ من مائةِ مليونٍ حيوانٍ منويٍّ وصبت هذه النطفة في الأرحام ولم يصلح من مائة مليون حيوان منوي إلا حيوانٌ منويٌّ واحد . أتدري من هو ؟
هو أنت : نعم ! .... ورب الكعبة هو أنت .. هو أنت أيها الإنسان خلقك الله من هذه النطفة الحقيرة المهينة لتكون إنسانا سميعا بصيرا. ولا تعجب فالله تعالى يقول : (فلينظر الإنسان مما خلق ، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) .
ويقول سبحانه : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
يا مدعي الكِبر إعجابا بصورته انظر خلاك فإن النتن ترثيب
لو فكر الناس ما في بطونهم ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
يا ابن التراب ومأكول التراب غدا أقصر فإنك مأكول ومشروب
وهذه هي المرحلة الأولى مرحلةُ الترابِ والطينِ والماءِ المهينِ مرحلةُ النطفةِ والعلقةِ والمضغةِ وهنا تساوى الخلق أجمعون لا فرقَ بينَ ملكٍ ولا مملوكٍ ولا بينَ عربيٍّ وعجميٍ ولا بين غني وفقير فإذا سألت التاريخ عن الكبراء والزعماء والقياصرة والفراعنة والأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء أجابك كلهم خلقوا من هذا الماء المهين .
الناس من جهة التصوير أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن في أصلهم شرف يتفاخرون به فالطين والماء
كلنا أنا أنت وهو وهي ونحن جميعا خلقنا من الماء الذي وصفه الله تعالى بقوله ( ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم ) .
ومضت المرحلة الأولى وكنتم أمواتا ....
وجاءت المرحلة الثانية فأحياكم ... بعد مائة وعشرين يوما وأنت في عالَمِ الأرحامِ نفخت الروح .

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : ( أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ) .
بعد مائة وعشرين يوما وأنتَ في عالَمِ الأرحامِ جنينٌ عاجزٌ كتب الإله الحق المبين لهذا العبد الضعيف العاجز أن يعبر هذا المضيقَ ويخرج من عالم الأجنة والأرحام إلى عالم الدنيا والآنام ، فنزلتَ يا عبدَ اللهِ من بطن أمك حافيا عاريا صارخا باكيا ، جئت إلى هذه الدنيا خاليا من كل شيء ، عاريا من كل شيء ، ووالله الذي لا إله إلا هو ستغادرها كما دخلتها عاريا من كل شي .
قال الله تعالى : (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرّة).
جئت إلى هذه الدنيا بعد أن خرجت من عالم العدم وعالم النطفة والرحم ، جئت إلى هذه الدنيا لتعمّر الكون بعبادة الله ، فو الله ما خلقنا الله عبثا ولا سدى .
قال الله تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) .
وقال تعالى : ( وما خلقلنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) .
أما قرأتم عباد الله في كتاب الله لماذا خلقنا ؟ لماذا أوجدنا الله في هذه الحياة ؟
أما قرأتم قول ربكم : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) .
أما علمتم ماهي الحكمة من سر وجودنا ؟هل خلقنا لنأكل ونشرب ؟ هل خلقنا لنلهو ونلعب ؟ماهي رسالتك في الحياة ؟
تعال معي عبد الله إلى سورة الذاريات إلى الآية السادسة بعد الخمسين واستمع ماذا يقول الخالق عن حكمة الخلق : ( وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
خلقت لتكون عبدا ذليلا فقيرا لله رب العالمين ، خلقت لتكون عبدا منيبا لله عز وجل ( يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .
أما والله لو علم الآنام لما خلقوا لما هجعوا وناموا
لقد خلقوا لأمر لو رأته عيونُ قلوبهم تاهوا وهــاموا
ممات ثم قبر ثم حشر وتوبيخ وأهوال عظـــــــــام
ليوم الحشر قد عملت رجال فصلّوا بخافتة وصــــاموا
ونحن إذا أمرنا أو نهينا كأهل الكهف أيقاظ نيـــــام

فالحياة الدنيا هي التي يقول الله عنها : ( وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ) .
ويقول سبحانه : ( وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) .
ويقول سبحانه : ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون )
هذه الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزود منها.
وهاهو أبوهريرة رضي الله عنه يروي نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وهو يقول : ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلاّ فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
ويقول صلى الله عليه وسلم ( أغتنم حياتك قبل موتك ) رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس وصححه الحاكم .
فالدنيا دارُ عملٍ وسباقٍ قال تعالى : ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ) .
وقال سبحانه : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) .
فغدا توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساءوا فبئس ما عملوا
وبعد هذه المرحلةِ تبدأُ المرحلةُ الثالثةُ ثم يميتكم ( كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ) .
قال الله تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ) .
وقال سبحانه : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) .
فالموت كأسٌ وكلُّ الناسِ شاربُهُ يا ليت علمي بعد الموتِ ما الدارُ
الداُر دارُ نعيمٍ إن عملتَ بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار
هما محلان ما للمرء غَيْرُهُمَا فانظر لنفسك أيَّ الدارِ تختار
ما للعباد سوى الفردوسِ إن عملوا وإن هفوا هفوة فالرب غفار
فالموت حق لا مرية فيه وكل نفس ذائقة الموت .....
أما رأى أحد منكم جنازةً تحملُ على الأكتافِ وأعناقِ الرجال ؟ هذا هو الموت .
أما تعرفون رجلا كان إذا مشى رج الأرض رجا ، وإن تكلم ملأ الأسماع ، وإذا غضب روّع القلوب جاءت عليه لحظة فإذا هو جسد بلا روح ، وعين بلا بصر ؟
هذا هو الموت .....
أما تعرفون فتاة وشابا كانا فتنةَ القلبِ وبهجةَ النظرِ استوى سوقهما وصلب عودهما فجاءت عليهما لحظة فإذا هما نسيا منسيا ؟ هذا هو الموت .
أما قرأتم في التاريخ عن جباّر وطاغية كانت ترتجف من خوفه قلوبُ الأبطالِ ، ويفزع من هيبته فحولُ الرجالِ ، جاءت عليه لحظة فصار جسده ترابا تطأه الأقدام ؟
هذا هو الموت .
أما سمعتم عن والد مع أولاده يضاحكهم ويلاعبهم في سعادة وفرح وفجأة أخذه الموت فإذا بالأفراح تنقلب أحزانا ويبقى الأولاد أيتاما ؟ هذا هو الموت .
وهذه هي المرحلة الثالثة ( كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ) .
وجاءت المرحلة الرابعة ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) .
فنزلت إلى الأرض ، وبدأت المرحلة الرابعة بدأت مرحلة البرزخِ وعالَمِ الغيبِ وسكنت التراب في القبر وحيدا فريدا ، نعم وضعت في بيت الوحشةِ والدودِ وفي القبر راحوا وتركوك وفي التراب دفنوك ولو بقوا معك مانفعوك ، في القبر تخّرق الأكفان وتمزق الأبدان ويؤكل اللحم ، وتنزع الكفين من الذراعين ، والذراعين من العضدين .
في القبر ضمّة لو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ .
في القبر ولدان وأطفال ، وشبّان وشيب ، في القبر السؤال والحساب .
فيا ويل من قال ها ها لا أدري وطوبى لمن ثبته الله بالقول الثابت .
في القبر يتبعك ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحدٌ يرجع الأهل والمال .
أتدري ماذا يبقى ؟... يبقى العمل ... يبقى عملك الصالح وعملك السيئ .
ويمضي العبد في عالم القبور والبرزخ زمنا لا يعلمه إلا الله الواحد الأحد فمن كان محسنا صالحا تقيا مكثرا من ذكر القبر والآخرة كان قبره روضة من رياض الجنة .
ومن كان غافلا ساهيا لاهيا فالجزاء من جنس العمل ثم تأتي المرحلة الأخيرة
فبعد أن كنتم أموتا فأحياكم الله ثم أماتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ..
وبدأت المرحلة الأخيرة واليوم الأخير بدأت مرحلة يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) .
( ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) .
أيتها العظامُ النخرةُ ..... أيتها اللحومُ المتناثرةُ ..... قومي لفصل القضاء بين يدي الله رب العالمين .
إي والله عباد الله ليأتين يوم يبيد الحي القيوم فيه الحياة والأحياء ...
إي والله ليأتين يوم يعيد الله الخلق جميعا إليه ...
ليأتين يوم يلقى العباد فيه شأنا عظيما ، فورب السماء والأرض لتخرجن من قبوركم ، ولتحشرن إلى ربكم ، ولتحاسبن على أعمالكم .
ذاك يوم القيامة ، ذاك يوم التغابن ، ذاك يوم الفصل والقضاء ، والحساب والجزاء ....

( إن إلى ربك الرجعى ) .
( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) .
في ذلك اليوم ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ....
في ذلك اليوم ينظر المرء ما قدمت يداه ....
في ذلك اليوم يقول الانسان أين المفر؟
في ذلك اليوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي....
في ذلك اليوم (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون).
فهذه يا ممنوع الكلام السافل الإيمانِ خمسُ مراحلَ نسيرُ فيها مرحلةً مرحلةً وها نحن في المرحلة الوسطى .. مرحلة العمل والإستعداد ثم تليها مرحلة الموت والقبر والوداع ثم مرحلة اللقاء والميعاد .
فيا عبد الله اغتنم حياتك قبل موتك فالحياة فرصة والعمل الصالح فيها غنيمة .

فوصيتي لك يا ذا الفضلِ والأدبِ إن شئتَ أن تسكنَ العاليَ من الرتب
تقوى الإله الذي ترجى مراحمهُ الواحدِ الأحدِ الكشّاف للكـرب
الزم فرائضه واترك محارمه واقطع لياليكَ والأيامَ في القــرب
وخالفِ النفسَ واستشعر عداوتها ارفض هواها ما تختاره تُصبِ
واذكر إلهك ذكرا لا تفارقه وادع الإله وقل يا فارج الكربِ
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير .....

موضوع: رد: وقفة مع آية. الخميس أبريل 29, 2010 4:20 am

جزاك الله خيرا على الموضوع والانسان دائما بحاجة الى التذكير بنعم الله عليه

Exclamation

موضوع: رد: وقفة مع آية. الخميس أبريل 29, 2010 7:56 am

اللهم اجعلنا من مي يتقيك ويسعي لحمد ولشكرك

بارك الله فيك وجعل هذا الموضوع بميزان حسناتك
تحياتى

موضوع: رد: وقفة مع آية. السبت مايو 01, 2010 12:18 pm

» وقفة مع الذات
» غزة تحتضر فلن تكن لكم وقفة .........................
» وقفة تعجب!
» وقفة إعتذار
» وقفة جادة على حدث الجامعة