قلب مارجريت ..

كانت أحجار القرميد تنتظم بشكل بديع في صفوف متوازية ، تزين الكوخ الذي تقتطنه " مارجريت " ..
انعكاس أشعة الشمس من على القرميد لا يضاهيه جمالاً سوى انعكاسها على صفحة ماء النهر الذي يمر بمحاذاة الكوخ ..

أمسكت مارجريت بفنجان قهوتها بعد أن فرغت لتوها من تناول " الكعك الانجليزي " الساخن الذي اجتهدت والدتها في إعداده منذ الصباح الباكر
كان الفنجان قد فقد كثيرا من حرارته حتى لم يعد ذا قدرة على بث الدفء في أنامل مارجريت إذ تمسك به .. لكنها شعرت ببعض دفئه ينساب في عروقها مع أول رشفة ..

نهضت الفتاة التي تحتفل في نهاية هذا الشتاء بمقدم ربيعها الرابع والعشرين ، ارتدت معطفها الصوفي المبطن بالفرو ، اتجهت إلى درج خزانتها لتخرج خاتمها الفضي المرصع بالألماس ..

كانت مارجريت قد عقدت العزم ليلة البارحة على أن تبيع الخاتم مقابل أي ثمن .. بعد صراع طويل مع ذاتها ، شعرت أنها بحاجة الآن إلى ثمنه .. أكثر من ذكراه القاسية .. ولم تنس قبل خروجها من الكوخ طباعة قبلة على خد والدتها التي لم تكن تعلم حتى هذه اللحظة بسر الخاتم الذي وضعته ابنتها في جيب معطفها ناوية التخلص منه للأبد ..

قبل أن تسلك مارجريت الطريق المؤدية إلى سوق البلدة ، توقفت قليلاً أمام شجرة الكرز العتيدة ، واستمدت منها بعض القوة ، وبعض الحنان ، وبعض المودة التي تجمعها بتلكم الشجرة دون سواها ..

شاهدت في طريقها القوارب النهرية منها ما ينساب في مياهه بثقة واتزان غير عابئة بما تحمله فوقها من ركاب وبضائع ثقيلة ، وقوارب أخرى في حالة اضطراب وتصادم مع بعضها البعض ، رغم أنها متوقفة في مكانها مقيدة مكبلة بأغلال المراسي .. بل رغم أنها فارغة ،، لا تحمل على متنها سوى الـ ( لا شيء ) ..

توقفت مارجريت أمام مدخل محل المجوهرات الوحيد في البلدة .. ولم يكن لها خيار سوى الدخول بعد أن رحب بها العجوز صاحب المحل الذي لا تغيِّب الخمرة طيبته حتى لو غيِّبت عقله ، وهو الذي سلم أمر المحل برمته إلى غيره أكثر شباباً وحيوية ..

طلب العجوز من مارجريت التفضل بالجلوس ريثما يحين دورها في الخدمة ..
كان يفصلها عن دورها فتاتين مكتنزتين لدرجة أنهما غيبا عن عين مارجريت منظر البائع الذي يقف في خدمتهما خلف الطاولة ..
وفيما بدا لمارجريت أن الفتاتين قد فرغتا .. انشغلت إحداهما بإخراج النقود من حقيبتها ، بينما افسحت الأخرى المجال لمارجريت عن غير قصد كي تشاهده ..
بمجرد مشاهدتها له تقافز قلب مارجريت خوفاً وفرحاً معاً ، نعم إنه هو ذاته الذي ما فتئت تلمحه في كل تفاصيل حياتها حتى المنام ..
انصرف الفتاتان ، وحان دور مارجريت بابتسامة ساحرة أرسلها البائع إلى مارجريت ، ابتسامة ترحيب تجارية كتلك التي يرسلها لكل زبونه وزبون ؟ أم ابتسامة من نوع آخر ؟ تساءلت مارجريت !

تذكرت مارجريت شجرة الكرز فنهضت وانتصبت امام البائع ، وأخرجت خاتمها من جيبها ، ومدته إلى البائع الذي اقترب من الخاتم حتى لامست أنفاسه أنامل مارجريت ، التي بدأت تشتم رائحة السجائر مختلطة بأنفاس رجل .. لأول مرة ..

طلبت مارجريت منه ان يثمّن لها الخاتم فهي ترغب في التخلص منه ، بينما هي في حقيقة الأمر تريد التخلص من ذكراه . مقابل ثمنه الذي هي بأمس الحاجة إليه ..

في لحظة سقط الخاتم وتدحرج أرضاً عند قدمي مارجريت.. اعتذرت مارجريت وهمت بالانحناء لرفعه .. لكن البائع كان الأسبق بالانحناء بين ساقيها ..

واااااااااو ، رائع ، ملفت ، مميز .... ومزيد من صنوف المديح أطلقها البائع بينما هو يمسك بالخاتم ويصعد باتجاه وجه مارجريت .. مقلبا النظر في الخاتم تارة ، وفي صاحبته تارة أخرى ..
وافيني بعد أسبوع من الآن ، أكون قد وفرت لك أفضل الأسعار .. تشرفت بخدمتك سيدتي .. هل تقطنين هذه البلدة ؟

لم تتمالك مارجريت نفسها كعادتها .. فخرجت على عجل ..
في طريق عودتها لم يكن هناك عجوز سكير ، ولا نهر جارٍ ، ولا قوارب تمخر ، ولا أخرى تصطدم ، وحدها شجرة الكرز هي ما استوقف مارجريت تعاتب ضعفها ، قبل أن تدلف إلى كوخها وتخلع معطفها وتتدثر تحت لحافها ..

أسبوع طويل مر على مارجريت ، لم تذق فيه للنوم طعما ، ولا أغمضت في لياليه جفناً ، حتى الفراش الوثير ماعاد وثيرا ، والمدفئة التي تشعل جذوتها قطع الحطب تبيت تشتعل بأعواد قش ..
وقطرات من ندى .. تنساب كل ليله على زجاج حجرة .. وغض جسد ..
إنه التقاء برودة الخارج .. مع حرارة الداخل .. وذكريات لحظات السقوط .. والانحناء .. ثم النهوض وحدها تشغل وتشعل مارجريت ..

بعد أسبوع عادت مارجريت تعبر ذات الطريق لتوافي موعدها ومواعدها .. نفس الشجرة ، ذات النهر ، عين القوارب عابرها وساكنها ، حتى العجوز ,,

لكن مارجريت لم تجده هو !!

انتظرت مارجريت الإفادة من العجوز وجيران المحل ، لكنه رحل ، عن المحل ، وعن البلدة ، وسرق الخاتم الألماسي .. وذاع الخبر في البلدة الصغيرة ..

انكسرت مارجريت ، وفي طريق عودتها لكوخها ، بدأت تسمع الأفواه والآذان تتناقل الخبر ..

سمعت عن بائع سرق خاتم فتاة ..
لكنها لم تسمع عن بائع سرق قلب فتاة !!

يسلمو اخي على الطرح الرائع
سلمت اناملك
ننتظر جديدك
تحياتي لك